بعد التعّرض لها ، فالله تعالى هو الذي يمكّن الناس من السير وتجاوز المسافات في البر والبحر بوسائط النقل المعروفة ، من الدّواب والبواخر والسيارات والطائرات والقطارات ، وتلك نعم جليلة ، حتى إنه إذا كان الناس راكبين في السّفن الشراعية وجرت فوق الماء بريح هادئة لينة ، ثم تعرّضت للاضطرابات ومخاطر الغرق بتغيّر الريح واشتدادها ، فتهبّ عاصفة قوية ، ويعتقد الركاب أنهم غارقون هالكون بسبب الأعاصير والأمواج العاتية التي تحيط بهم من كل جهة ، في تلك الحالة الرهيبة لا يجد الركاب ملجأ إلا الله ، فيتّجهون إلى دعائه مخلصين له الدعاء والعبادة والتّضرع ، ولا يتّجهون لغير الله ربّهم ، ويقولون بصدق وحرارة وإخلاص : لئن أنجانا الله من هذه المخاطر والدّواهي لنكونن من جماعة الشاكرين نعمة الله ، الموحّدين له ، العابدين إياه. ولكن سرعان ما يتبدل الموقف ، وينقض هؤلاء الركاب العهد أو الوعد ، فحينما ينجيهم الله من تلك الورطة ، وينقذهم من خطر الغرق أو الهلاك ، إذا هم يعودون إلى سيرتهم الأولى ، من نكران وجود الله وتوحيده ، والوقوع في الظلم والبغي ، والعصيان والفسوق ، كما جاء في آية أخرى : (وَإِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكانَ الْإِنْسانُ كَفُوراً (٦٧)) [الإسراء : ١٧ / ٦٧].
ثم زجر الله أهل البغي والإسراف ، والجحود والإنكار ، والمعصية والضّلال ، فقال سبحانه : (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ) أي إنما وبال هذا البغي وجزاؤه وإثمه على أنفسكم في الدنيا والآخرة ، ولا تضرّون به أحدا غيركم ، تتمتعون في الدنيا متاعا زائلا لا قرار له ، من توبيخ الضمير والوجدان ، أو التعرض لأنواع البلايا والأمراض والقلاقل أو الخسران في نهاية الأمر ، وفي الآخرة أيضا جزاء محقق على البغي والانحراف ، لأن مصير جميع الخلائق ومآلهم إلى الله يوم القيامة ، فيخبرهم