ـ وسرابيلهم من قطران ، أي قمصهم وثيابهم وجلود أهل النار تطلي بالقطران ، حتى تصبح الجلود كالسرابيل.
ـ وتغشى وجوههم النار ، أي تحيط النار بأجسادهم. وإنما ذكرت الوجوه ؛ لأنها أشرف الأعضاء وأعزّها.
وأنفذ على المجرمين هذا العقاب ، ليكون في ذلك جزاء المسيء على إساءته ، ويجازى المحسن أيضا بإحسانه خيرا. وفي هذا عدل تام ، حيث يجازى كل شخص بما يليق بعمله وكسبه من خير أو شرّ ، كما في قوله تعالى : (لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى) [النّجم : ٥٣ / ٣١].
والله سريع الحساب ، يحاسب جميع العباد بسرعة فائقة ، وذلك في قدر نصف نهار من أيام الدنيا ، كما جاء في الحديث ؛ لأن الله تعالى محيط علمه بدقيق أمور الخلائق وجليلها ، لا إله غيره. قيل لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه : كيف يحاسب الله العباد في وقت واحد مع كثرتهم؟ قال : كما يرزقهم في وقت واحد.
هذا القرآن والوعيد الذي تضمنه : تبليغ للناس وكفاية في الموعظة ، ومعنى الآية : (هذا بَلاغٌ لِلنَّاسِ) : هذا ذو بلاغ للناس ، وهو ليكون منذرا للناس بالعقاب ، ومحذّرا من العذاب ، وليستدلّوا بما في القرآن من حجج ودلالات على أنه لا إله إلا هو ، وليتذكر ويتّعظ به ذوو العقول ، فيكون لهذا البلاغ ثلاث فوائد : وهي التخويف من عذاب الله ، والاستدلال به على وجود الخالق ووحدانيته ، والاتعاظ به وإصلاح شؤون الإنسان. سئل بعضهم : هل لكتاب الله عنوان؟ فقال : نعم ، قيل : وأين هو؟ قال : قوله تعالى : (هذا بَلاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ (٥٢)) [إبراهيم : ١٤ / ٥٢].