ويزداد المشركون حيرة وارتباكا ، فإنهم إذا رأوا يوم القيامة بأبصارهم الأوثان والأصنام وكل معبود من دون الله ـ لأنها تحشر معهم توبيخا لهم ـ إذا شاهدوها ، أشاروا إليهم ، وقالوا : هؤلاء شركاؤنا الذين كنا نعبدهم من دون الله ، قاصدين بذلك إدخالهم في المعصية والحساب ، فترد عليهم الشركاء المزعوم ألوهيتها قائلين : كذبتم ، لم نأمركم بعبادتنا ، أو إنكم لكاذبون ، ما كنا ندعوكم إلى عبادتنا ، فمن كان من المعبودين من البشر تكلم بلسانه ، وما كان من الجمادات تكلم بقدرة الله ، بتكذيب المشركين في وصفهم بأنهم آلهة وشركاء لله.
ثم قال تعالى : (وَأَلْقَوْا إِلَى اللهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ) أي استسلم العابد المشرك والمعبود ، وأقروا لله بالربوبية ، وبالبراءة عن الشركاء والأنداد ، وذلّوا واستسلموا لله جميعا ، وغاب وذهب عنهم افتراؤهم بنسبة الشركاء لله ، وأنها أنصارهم وشفعاؤهم ، أي : إنه حل بهم عذاب الله ، وباشروا نقمته.
ثم فسّر الله نوع العذاب ، فأخبر أن الذين كفروا ومنعوا غيرهم من الدخول في الدين ، وسلوك سبيل الله ، زادهم الله عذابا فوق العذاب العام لجميع الكفار ، عقوبة على إفسادهم وصدّهم الناس عن دين الله وشرعه وعبادته.
وهذه إشارة واضحة إلى أن من دعا غيره إلى الكفر والضلال ، ضوعف عذابه ، واشتد عقابه ، كما أن من دعا إلى دين الله الحق ، ضوعف ثوابه ، وعظم قدره عند الله تعالى.
وتدلنا الآية أيضا على تفاوت الكفار في العذاب ، كما يتفاوت المؤمنون في درجات الجنان ، وكما جاء في قول الله تعالى : (قالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلكِنْ لا تَعْلَمُونَ) [الأعراف : ٧ / ٣٨]. روي في ذلك عن ابن مسعود أن الله تعالى سلّط عليهم عقارب وحيّات لها أنياب كالنخل الطوال. وقال عبد الله بن عمرو بن العاص : إن لجهنم