والمعنى : فالزم وثابر يا محمد ومن آمن معك على طريق الاستقامة في الاعتقاد والأعمال ، وتطبيق أوامر القرآن في العبادات والمعاملات ، وهي درجة تتطلب جهاد النفس ، والترفع عن الأهواء والشهوات. ولا يعني أمر الرسول صلىاللهعليهوسلم بالاستقامة أنه لم يكن مستقيما ، وإنما كان على العكس في غاية الاستقامة ، وإنما المقصود كما ذكرت في هذا الموضوع : هو الدوام والاستمرار على ما هو عليه ، وذلك طريق النصر على الأعداء. وفي هذا دليل على وجوب اتّباع النصوص الشرعية من غير تصرّف ولا انحراف ، ولا تقليد وعمل برأي فاسد غير صحيح ، ومن حاد عن ذلك زاغ وأزاغ. والتزام جادة الاستقامة ليس بالأمر الهيّن ، وإنما يتطلب جهادا متواصلا.
روى الطبراني في الكبير في حديث صحيح عن عقبة بن عامر وأبي جحيفة : أن النّبي صلىاللهعليهوسلم قال : «شيّبتني هود وأخواتها» فقال له بعض العلماء : فما الذي شيّبك من هود؟ قال له : قوله تعالى : (فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ).
وبعد الأمر بالاستقامة ، نهى الله تعالى عن ضدّها وهو الطغيان ، وهو البغي وتجاوز حدود الله في قوله سبحانه : (وَلا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) أي إن الطغيان مزلقة إلى الهلاك ، والله تعالى بصير بأعمال العباد ، لا يخفى عليه شيء ، فيجازي عليه. وهذا تحذير واضح من الانحراف والمخالفة.
ثم نبّه الله تعالى إلى خطر الميل مع الظالمين ، فقال : (وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا) أي ولا تميلوا مع الظالمين بمودة أو مداهنة أو رضا بأعمالهم ، أو استعانة بهم ، أو اعتماد عليهم ، فتصيبكم النار بركونكم إليهم ، فذلك ظلم ، وليس لكم من غير الله أنصار أبدا ينفعونكم ، ويمنعون العذاب عنكم ، ثم لا ينصركم الله في حال الظلم ، لأن الله سبحانه لا يحب الظلم لأحد ، ولا ينصر الظالمين ، كما قال تعالى : (وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ) [البقرة : ٢ / ٢٧٠]. وقال أيضا : (وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ) [الحج : ٢٢ / ٧١ ، فاطر : ٣٥ / ٣٧].