وتحقق ما توعّدهم به هود ، ونزل العذاب بهم ، ولما حان وقت نزول أمر الله بالعذاب ، ووقع العذاب فعلا ، وهو تدميرهم بريح صرصر عاتية ، نجى الله هودا والمؤمنين معه من عذاب شاق شديد ، برحمة من الله ولطف ، وأهلك الله القوم الظالمين ، فجعل ديارهم ـ عاليها سافلها ، ودمّرت الريح كل شيء من منازل القوم وممتلكاتهم.
وأسباب ذلك العقاب الشامل ثلاثة أمور : هي جحود عاد دلائل المعجزات على صدق نبيّهم هود ، وأدلّة المحدثات المخلوقات على وجود الصانع الحكيم ، وعصيان رسولهم ، ومن عصى رسولا واحدا ، فقد عصى جميع الرّسل ، لذا قال تعالى : (وَعَصَوْا رُسُلَهُ). وتقليدهم رؤساءهم واتّباعهم أوامر كل جبّار عات ، عنيد مكابر.
ولم يقتصر العقاب على الإهلاك والتدمير ، وإنما أتبعوا في الدنيا وفي الآخرة لعنة دائمة ، واللعنة : الإبعاد والخزي ، فلحقتهم لعنة الله وعباده المؤمنين في الدنيا كلما ذكروا ، وتجوز لعنة الذين ماتوا على الكفر ، ولا يلعن معين حي ، لا من كافر ولا من فاسق ولا من بهيمة ، وكل ذلك مكروه بالأحاديث. وينادى عليهم يوم القيامة على رؤوس الخلائق : ألا إن عادا كفروا بربّهم وبنعمه ، وجحدوا بآياته ، وكذبوا رسله ، ألا بعدا وطردا من رحمة الله لعاد قوم هود. فعلّة لعنهم هي كفرهم بربّهم ، وهذا دعاء عليهم بالهلاك والدّمار والبعد عن الرحمة.
لو علم هؤلاء قبل هذه النهاية الوخيمة ما يحلّ بهم ، لفكّروا وراجعوا حسابهم ، وأصلحوا أمورهم ، وصحّحوا عقائدهم ، واستقاموا على أمر الله ربّهم. وإذا لم يفعلوا كانوا حمقى ، ولم يكونوا مأسوفا عليهم ، لقد طواهم التاريخ ، وأنهى ذكرهم إلا من طريق التذكير والاعتبار للأجيال اللاحقة بهم ، حتى لا يتورّطوا بمثل ما فعلوا ، فيعاقبوا بمثل ما عوقبوا. وهذه هي الفائدة والعبرة التي نستفيدها من تكرار تلاوة الآيات القرآنية في شأنهم إلى يوم القيامة ، لنعلم علم اليقين أن الجزاء العادل