لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنا إِنَّ اللهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ (٨٨) قالَ هَلْ عَلِمْتُمْ ما فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جاهِلُونَ (٨٩) قالُوا أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قالَ أَنَا يُوسُفُ وَهذا أَخِي قَدْ مَنَّ اللهُ عَلَيْنا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (٩٠) قالُوا تَاللهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللهُ عَلَيْنا وَإِنْ كُنَّا لَخاطِئِينَ (٩١) قالَ لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (٩٢) اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هذا فَأَلْقُوهُ عَلى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ (٩٣)) (١) (٢) (٣) [يوسف : ١٢ / ٨٨ ـ ٩٣].
أمر يعقوب عليهالسلام أن يذهب أولاده إلى أرض مصر التي جاؤوا منها ، وتركوا أخويهم : بنيامين وروبيل ، وأن يستقصوا أخبار يوسف وأخيه ، فساروا من أرض الشام ووصلوها ، فلما دخلوا على يوسف عليهالسلام أرادوا اختباره وإثارة عواطفه بذكر سوء حالهم وتضرّعهم له ، وكان أبوهم يرجح أن هذا العزيز في مصر هو يوسف ، فقالوا له : أيها العزيز العادل الرحيم ، قد مسّنا وأهلنا الضّرّ ، أي الجوع والمسغبة التي كانوا بسبيلها ، ووضع أخيهم الذي أهمّ أباهم وغمّ جميعهم ، وجئنا ببضاعة مزجاة ، أي قطعة من المال ناقصة غير تامة ، يتسامح في أخذها ، وهي قليلة لا تروج إلا بالدفع وطول العرض وحسنه. فإن الدراهم المدفوعة إذا كانت نازلة القدر تحتاج أن يعتذر معها ويشفع لها ، فهي مزجاة ، فأتم لنا الكيل كما كنت تفعل ، فقد عودتنا الجميل ، وتصدّق علينا بالزائد ، إن الله يجزي المتصدقين ، ويكافئهم على أعمالهم. وكانت الصدقة بالفرق بين الدراهم الجياد وهذه المزجاة. وقالوا هذا تجوّزا واستعطافا منهم في البيع.
فقال يوسف عليهالسلام لما أخبروه بما مسّهم وأهلهم الضّرّ ، واستعطفوه ، فرقّ قلبه ورحمهم ، قال لهم مستفهما عن استقباح فعلهم السابق بيوسف : هل علمتم قبح
__________________
(١) فضّلك الله علينا.
(٢) لا لوم عليكم.
(٣) مبصرا من شدّة السرور.