تذرع من قبلهم من الأمم بهذه الذريعة ، وسبقهم إلى هذه النزعة الأولون من الكفار ، والأمر ليس على ما ظنّوه من أن الله تعالى إذا أراد الكفر لا يأمر بتركه ، بل قد أقام الله الأدلة لعباده ، على صحة الإيمان والاعتقاد ، وأرسل الرسل منذرين ، وليس عليهم إلا البلاغ الواضح ، وليس عليهم الهداية ، والله تعالى لا يجبر أحدا على الهداية أو الضلالة ، وإنما يختار الإنسان لنفسه ما يريد ، والله سبحانه خلق للإنسان قدرة الاختيار ، فلا يصح الاحتجاج بمشيئة الله ، بعد أن خلق للناس من قدرة الاختيار ما يكفي.
إن التذرع بمشيئة الله لتسويغ الشرك والانحراف والعصيان شيء باطل ، وعلم الله بوقوع الكفر وإرادته في وقوعه من إنسان شيء آخر لا صلة له بأصل الاختيار ، فإن كل إنسان مسئول عما يفعل ويختار ، وهو يجهل مراد الله ، فكان عليه التزام أوامر الشريعة واجتناب نواهيها ، ولا يصح له الادعاء بأن الكفر والضلال داخل في مراد الله وعلمه.
مهمة الرسل في الأمم
تعدد إرسال الرسل في الأمم المختلفة ، لمهمة مشتركة جوهرية ، هي الدعوة إلى عبادة الله ، وترك عبادة الأوثان ، والإيمان بالبعث واليوم الآخر ، وقد جاهد الأنبياء والرسل في إثبات هذه الأصول والمعتقدات ، وبيان الأمور المختلف فيها ، وتقرير الإرادة الإلهية النافذة التي توجد كل شيء بأمر الله وكلمته التكوينية ، وهي : (كُنْ فَيَكُونُ).
فآمن جماعة بهذه العقائد وضل آخرون ، فخسروا الدنيا والآخرة.
قال الله تعالى واصفا هذه الأحوال : (وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا