والرياسات ، واستمرارهم على ما هم عليه من المعاصي والمنكرات ، وعدم التفاتهم إلى إنكار المصلحين منهم والناصحين لهم.
والحال أنهم كانوا مجرمين ، أي ظالمين ، فالله تعالى لم يهلك قرية إلا وهي ظالمة لنفسها ، كما قال تعالى : (وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ) [هود : ١١ / ١٠١]. وفي الآية إشارة إلى أن الترف مدعاة إلى الإسراف ، والإسراف يفضي إلى الفسوق والعصيان ، والظلم والانحراف.
ثم أوضح الله تعالى قانونه العام وسنته في البشرية بقوله : (وَما كانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها مُصْلِحُونَ (١١٧)) أي ليس من شأن الله تعالى أن يهلك أهل القرى ظالما لها ، وأهلها قوم مصلحون ، تنزيها لله تعالى عن الظلم ، وإعلاما بأن إهلاك المصلحين من الظلم. والمراد أن الله تعالى لا ينزل عذاب الاستئصال على مجرد كون القوم مشركين أو كافرين ، بل إنما ينزل العذاب إذا أساؤوا في المعاملات ، وسعوا في الإيذاء والظلم ، كما فعل قوم شعيب في مدين ، وقوم هود في الأحقاف شمال حضرموت ، وقوم فرعون في مصر ، وقوم لوط في ديار سدوم في الأردن ، وقوم صالح في الحجر بين الحجاز والشام. ويؤيد ذلك أن الأمم تبقى مع الكفر ، ولا تبقى مع الظلم.
وهناك قانون إلهي عام آخر وهو أن الله تعالى قادر على جعل الناس على ملة واحدة من الإيمان أو الكفر ، ولكنه سبحانه ترك لهم الاختيار الذي هو أساس التكليف ، فاختار بعضهم الحق ، وبعضهم الباطل ، فوقع الانقسام والاختلاف بينهم ، وظلموا مختلفين متنازعين في الدين والاعتقاد والمذهب والرأي بسبب من أنفسهم ، إلا من رحم ربّك ، أي إلا أناسا هداهم الله ولطف بهم وهم أتباع الرسل ، فاتفقوا على دين الحق ، غير مختلفين فيه.