تحت إرادة مدبّر فيها ، والحركة بما شاء وأراد ، فهو من جميع ذرات الكون معيّة قيوميّة مدبّر لها بالربوبيّة العظمى ، التي لا يعزب عنه شيء في السموات والأرض.
وهذه الحركة بهذا المعنى عامّة لجميع مخلوقاته ، وهي صحيحة ، وممّا اتّفقت عليه الكتب السماويّة وكلمة الأنبياء وكلمات جمع من الفلاسفة المتألّهين.
وأما الحركة التي ذكرها بعض الفلاسفة الطبيعيّين ، وهي الحركة في الطبيعة والمادة فحسب ، وقالوا إنها ذاتيّة لها والذاتي لا يعلل ، فإن أرادوا أنها واجبة بالذات فهو باطل بالضرورة ، وإن أرادوا أنها تحت قدرة الله تعالى فهي قسم من تلك الحركة التي ذكرناها آنفا.
بحث قرآني :
لا ريب في أن نظام هذا العالم يتقوّم بترتب العلل والمعلولات المتتالية وغيرها ، وهذه السلسلة لا بد أن تنتهي إلى الله تعالى ، الذي تكون أزمّة الأمور تحت إرادته ، والإنسان مسخّر ومقهور تحت قوى فعّالة ، منها قدرة الله تعالى وإرادته التامّة ، فهو يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد. ومنها قوى الطبيعة التي قلّ ما يسلم أحد من آفاتها وعاهاتها. ومنها النفس الأمّارة بالسوء والشيطان الرجيم الذي لا يسلم منه أحد. فالإنسان قرين هذه القوى وإن كانت جميعها مقهورة تحت قدرة العزيز الجبّار ، وهذه الآية الشريفة ونظائرها شاهدة على ذلك ، فإن قوله تعالى : (بِيَدِكَ الْخَيْرُ) ، يدلّ على انتهاء الوسائط إليه عزوجل ، ولكن ذلك لا ينافي أن تكون المسبّبات والنتائج مترتبة على الأسباب ، وقد جرت عادته عزوجل على إجراء الأمور بأسبابها التي لها دخل في تحقّقها ، وعلى الإنسان أن يعد الأسباب الظاهريّة التي تكون دخيلة في حصول المسبب ، ثم تفويض الأمر إليه في الجهات التي تقصر عقولنا عن الإحاطة بها ، وقد دلّت على ذلك آيات كثيرة ، قال تعالى : (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى) [سورة النجم ، الآية : ٣٩] ، وقال تعالى : (وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا) [سورة القصص ، الآية : ٧٧] ، وهذا هو التوكّل الذي