التنزيل إنما يلحظ باعتبار وجوده الجمعي ، أي الوحدة في الكثرة ، والتأويل إنما يلحظ باعتبار وجوده الانطباقي الانبساطي الخارجي في الحوادث التكوينيّة والتشريعيّة ، من أوّل الحدوث إلى آخر الخلود ، لجميع الجزئيات والخصوصيات والعلل والمعلولات والشرائط والموانع ، باعتبار الوجود الانبساطي الخارجي ، ولا يمكن الإحاطة بذلك إلا لله جلّ شأنه ، لقصور ما سواه عن ذلك ، وقد يفيض بعض ذلك لخلّص عباده ، كما مرّ.
وقد بيّن الله تبارك وتعالى في سورة الكهف من آية ٦٦ إلى ٧٨ في ما سأله موسى عن الخضر عليهماالسلام الفرق بين التنزيل والتأويل ، فقال تعالى حاكيا عن الخضر : (سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ ما لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً) ، فالتأويل ما فعله الخضر وأجاب عن ما سأله موسى ، والتنزيل ما سأله موسى عن الخضر. ونعم ما نسب إلى بعض أكابر العرفاء : «التأويل علم الحقيقة ، والتنزيل علم الشريعة والطريقة» ، ومثّل لذلك بالفقيه والطبيب ، فإن الفقيه محتاج إلى الطبيب في العلم بالعلاج والعلم بخواص الأدوية ، والطبيب محتاج إلى الفقيه في العلم بظواهر الشرع.
والجامع القريب بين التنزيل والتأويل إحقاق الحقّ وإبطال الباطل.
أما التأويل في السنّة والروايات ، فقد ورد فيها أيضا ـ كما في بعض الروايات ـ لأن لها الوجود الانبساطي الخارجي القابل للانطباق على القضايا الخارجيّة أيضا ، كما تقدّم في تأويل الآيات الشريفة.
كما أن علم تعبير الرؤيا اطلق عليه التأويل أيضا ، قال تعالى حاكيا عن نبيّه يعقوب لابنه يوسف عليهماالسلام : (وَكَذلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ) [سورة يوسف ، الآية : ٦] ، والمراد منها الأحاديث الحاصلة من النوم ، بقرينة قوله تعالى حاكيا عن الملأ : (قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ وَما نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلامِ بِعالِمِينَ) [سورة يوسف ، الآية : ٤٤] ، وقد ورد في السنّة المقدّسة أن الرؤيا جزء من تسعة وتسعين جزءا من أجزاء النبوّة.