للأعمال تأثيرات حقيقة في الملكات النفسانيّة ، فيكون من النور وفي النور وإلى النور ، قال تعالى : (يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ بُشْراكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [سورة الحديد ، الآية : ١٢] ، وبعبارة اخرى يصير قلبه قرآنا علميا وجوارحه قرآنا عمليا ، فلا محالة يتحقّق الرسوخ.
وأوّل المصداق الحقيقي لذلك هو خاتم الأنبياء ، قال تعالى : (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ) [سورة النحل ، الآية : ٤٤] ، ثم من رباه تربية علميّة وعمليّة علي بن أبي طالب عليهالسلام ، وكلماته المقدّسة في نهج البلاغة أظهر دليل لما قلنا ، ثم من ربى بهما أيضا تربية علمية وعملية فأخذوا علومهم ومعارفهم من النبيّ الأعظم وتأسّوا به في أفعاله وأذعنوا بأقواله ، فربوا في حجر الإسلام ورضعوا من ثدي الإيمان ، فرسخ العلم في أصولهم وعروقهم وقلوبهم وجوارحهم ، فجعل الله لهم نورا يمشون به في الظلمات ويرشدون به إلى سبل السّلام.
بحث فلسفي :
لا ريب في اختلاف أفراد الإنسان في مراتب إدراكاته سواء كانت القوى المدركة جسمانية (كالقوى الخمس الظاهرة أي السامعة والباصرة واللامسة والشامة والذائقة) أم معنوية كالفكر والعقل بل ان اختلاف القوى الجسمانية المدركة يعم الحيوانات وبعض النباتات بل بعض المعادن أيضا على ما ثبت في العلم الحديث وهل يكون اختلاف القوى الادراكية المعنوية في الإنسان من خصوصيات العقل المودع فيه؟ أو من النفس الناطقة؟ أو منهما معا؟ أو من شيء آخر كالبيئة والاجتماع أو المأكل والمشرب أو غيرها؟ لا يعلم ذلك غير الله تعالى ، فكلّ محتمل.
ومن ذلك ينشأ اختلاف الاستعدادات في مراتب الاستفادة وتحصيل العلوم ، ولذا ورد عن النبيّ صلىاللهعليهوآله أنه قال : «إنا معاشر الأنبياء أمرنا أن نكلّم الناس على قدر