بحث فلسفي :
أثبتت الفلاسفة الإلهيّون والطبيعيّون أن كلّ ممكن زوج تركيبي ، له ماهية ووجود ، وقد فصّلوا البحث في كلّ منهما من جميع الجهات بما لا مزيد عليه.
كما أثبتوا أن كلّ مركب ممكن ، واستدلّوا عليه ببراهين كثيرة ، وأهمّها الافتقار كما تقرّر ذلك في محله.
وأثبتوا أن الماهيّة (الذات) قبل الوجود لا أثر لها ، بل تكون ليسا محضا ، أي عدما. وهذه الأمور الثلاثة من المتسالم عليها بينهم.
وإنما اختلفوا في أن المجعول ومتعلّق الجعل هل هو الوجود أو الماهيّة (الذات) ، أو الاتصاف بينهما؟ وهذه من المسائل العويصة بينهم ، وأي منها كان مجعولا يلزمه جعل الآخرين بالعرض ، ليتمّ الجعل التركيبي ويترتب الأثر لا محالة.
كما أن أيا منها كان مجعولا للجاعل تكون لوازمه مجعولة له بنحو الاقتضاء ، فإذا كان الله جلّ جلاله خالق الإنسان وجاعله ، يكون جاعلا لعلمه وإرادته ومشيئته ، فقوله تعالى : (إِنْ تُخْفُوا ما فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللهُ) من علم العلّة بالمعلول ، وهو أتقن أنحاء العلوم كما ثبت في محلّه.
وللفلاسفة الإلهيّين أصلان مهمان يتفرّع عليهما مسائل كثيرة ذكرت في محلّها :
أحدهما : أصالة التحقّق ، فيبحثون في أن الأصل في التحقّق هل هو الوجود أو الماهيّة (الذات)؟ على اختلاف بينهم ، فيثبت كلّ منهما دعواه بأدلّة كثيرة مذكورة في محلّها.
ثانيهما : أن الأصل في الجعل هو الوجود أو الماهيّة.
والمراد من الأول أنها تلحظ بالنسبة إلى نفس المجعول ، كما أن المراد من الثاني أنها تلحظ بالنسبة إلى نفس الجاعل ، ولكن بعد اتفاق جميع الفلاسفة على أنه لا أثر للجعل والمجعول إلا بعد تحقّق الوجود ، يرتفع هذا النزاع في البين ، وأنه لا