قوله تعالى : (اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ).
تقدّم بعض الكلام فيه في تفسير آية الكرسي [٢٥٥ من سورة البقرة] ، ونزيد هنا : الله اسم للذات المستجمعة لجميع الكمالات الواقعيّة والادراكيّة ، والمسلوب عنها جميع النقائص كذلك ، ونفس تصوّر هذا المعنى بما ذكرناه في فرض العقل يغني عن إثبات صفات جماله وجلاله ومعبوديته المطلقة ، وخضوع ما سواه له ، ولا نحتاج إلى إقامة دليل آخر على ذلك ، فالهويّة المطلقة في الكمال المطلق مجرّدة عن كلّ قيد وإضافة ، منحصرة فيه عزوجل ، وقد روي أن عليا عليهالسلام قال : «يا من هو ، يا من ليس هو إلا هو» ، وعرض ذلك على سيد الأنبياء صلىاللهعليهوآله فقال لعلي : «علمت الاسم الأعظم» ، نعم هو اسم أعظم لمن انقطع إليه تعالى كمال الانقطاع فتجلّى له حينئذ حقيقة أنه ليس هو إلا هو.
والحيّ القيوم بالمعنى الحقيقي لا يمكن للعقول المحدودة الاحاطة بهما ، لأنهما عين الذات المقدّسة ، والعقول قاصرة من وصول تلك الساحة العظمى ، بل الحياة في ما سواه عزوجل من المجرّدات ، وغيرها تكون شارقة جزئية من شوارق تلك الحياة.
كما أن المراد بالقيوميّة فيه عزوجل مديريّته ومدبريته وتربيته العظمى لجميع عوالم الممكنات ، قيوميّة حياة تستلزم العلم والقدرة والهيمنة والإحاطة ، لا أن تكون قيوميّة فاقدة للشعور والحياة ، كما في الأسباب الطبيعيّة التكوينيّة.
فيكون لفظ القيوم بهذا المعنى من الأسماء الخاصة به تعالى كلفظ (الله) ، ولكن لو لوحظ فيه مبدأ الاشتقاق ، وهو مطلق القيام بالشيء وعلى الشيء ، ومطلق القيوميّة يكون من الوضع العام والموضوع له العام بحسب أصل المعنى ، ولكن بحسب الإطلاق منحصر فيه عزوجل.
هذا إذا لم يحصل مثل هذه الألفاظ علما له عزوجل وإلا فيسقط أصل البحث ، ولعلّ أحد أسرار توقيفية أسمائه المقدّسة عدم تدخّل الجهات اللغوية والأدبية المتعارفة فيها ، لتكون بنفسها مرجعا وأصلا يرجع إليها ، لا أن يرجع فيها إلى غيرها.