على خط الاستواء في جميع بقاع الأرض بحسب الحسّ ، وإن كان التغيير فيهما واقعا أيضا حقيقة ويختلفان باختلاف ميل الشمس عنه وسيرها في منطقة البروج ، فيتفاوتان بالزيادة والنقصان بحسب مواقع الأرض والزمان ، فنشاهد من أوّل الشتاء إلى أوّل الصيف يأخذ الليل بالزيادة والنهار بالنقيصة على حساب منظم ، وهذا هو ولوج النهار في الليل ، ثم تأخذ الليالي بالنقيصة والنهار بالزيادة من أوّل الصيف إلى أوّل الشتاء ، وهذا هو ولوج الليل في النهار ، ويختلف ذلك على سبيل التعاكس في المدارات الشماليّة والمدارات الجنوبيّة ، كلّ ذلك على تفصيل مذكور في علم الفلك ليس ها هنا محل ذكره.
وعموم الآية الشريفة يشمل كلّ ليل ونهار يفرض ، سواء كانا على وجه هذه البسيطة أم في كرات سماويّة اخرى ، كما قرّر في علوم الفلك.
وفي اختلاف الليل والنهار من الحكمة الباهرة وعموم الرحمة والنظام الدقيق والحكمة العظيمة ما تبهر منه العقول ، وتظهر فيه آثار القدرة الكاملة والحكمة العالية ، وهذا من أعظم مجالي قدرته تعالى وسلطته على الزمان ، التي تحيّر فيها عقول الحكماء ، حتى ذهب جمع إلى وجوب وجوده وقدمه ، وجمع آخر إلى خلاف ذلك ، حتّى حدى بعضهم على إنكار الزمان والقول بأنه مجرّد امتداد وهمي.
وفي هذه الآية وأمثالها يبين سبحانه وتعالى أن الزمان ممكن وواقع تحت قدرته ومجعول له تعالى ، ويقع التغيير والتبديل فيه فلا يمكن قدمه الذاتي ، كما ذهب إليه بعض ، ولا يصحّ القول بوهميّته ، لأنه خلاف ما هو المنساق من هذه الآيات والوجدان ، وبيّن سبحانه وتعالى في آيات اخرى المنافع والحكم العظيمة في ذلك ، وقد تقدّم في أحد مباحثنا الكلام في ذلك.
قوله تعالى : (وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِ).
الموت والحياة متقابلان ومعلومان لكلّ ذي حياة ، ولا يختصّان بخصوص الحيوان فقط ، بل لكلّ شيء حياة وموت حسب استعداده وقابليته ، كما أثبته العلم الحديث ، ولكن لكل شيء حياة خاصة به ، وكذلك الموت ، لا يمكن إدراكهما لغيره