بحوث المقام
بحث دلالي :
تدلّ الآيات المتقدّمة على امور :
الأول : أنه قد أثبت أكابر الفلاسفة المتألّهين توحيد الذات ، وتوحيد المعبود ، وتوحيد الصفة والفعل لله جلّ جلاله ـ بمعنى أنه لا شريك له تعالى في شيء من ذلك ، فهو واحد متوحّد متفرّد في جميع ذلك ـ ببراهين عقليّة متينة (جزاهم الله تعالى خيرا) ، ويمكن استفادة وجه يجمع تلك البراهين من قوله تعالى : (اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ) ، فإنه يدلّ على وحدانية الذات المستجمعة لجميع صفات الجلال والجمال والمعبودية الحقيقيّة في الإله الواحد القهّار.
وذلك بأن يقال : إن الذات الجامع لجميع الكمالات الواقعيّة ، والمسلوب عنه جميع النقائص كذلك ، إما أن يفرض وجوده أو لا؟
والثاني باطل بالضرورة ، والأول يستلزم تحقّقه كذلك ، أي مسلوبا عنه جميع النقائص الواقعيّة وجامعا لجميع الكمالات كذلك ، وإلا لزم الخلف ، وهو باطل بالضرورة أيضا ، ولا بد أن يسلب عنه الإمكان ، ويكون العلم والحياة والقيوميّة والحكمة عين ذاته ، لأن خلاف كلّ ذلك نقص ، والمفروض أنه مسلوب عنه جميع النقائص الواقعيّة مطلقا.
الثاني : انما ذكر سبحانه : «الحي القيوم» أولا ورتّب عليه تنزيل الكتاب بالحقّ ، ليعلم من عظمة المنزل عظمة التنزيل ، فكما لا حدّ للحيّ القيوم جلّت عظمته ، كذلك لا يمكن تحديد هذا الكتاب العظيم الذي نزل بالحقّ ، المهيمن على جميع الكتب الإلهية ، ويكون ترتّب تنزيل الكتاب بالحقّ على الحيّ القيوم من قبيل ترتب المعلول على العلّة التامّة المنحصرة ، يعني حيث انه تعالى حي وقيوم نزل الكتاب بالحقّ.