بحث فلسفي :
عن جمع من الفلاسفة أنهم حدّدوا الفيض النازل من الحي القيوم إلى الممكنات بحدّ خاص مترتب طولا ، فلا يستفيض كلّ لا حق إلا بواسطة السابق عليه ، وجعلوا أوّل هذه السلسلة ما أصطلحوا عليه ب «القاهر الأعلى» ، وآخرها ما أسمّوه ب «الهيولى الاولى» ، وفصّلوا القول في ذلك بالنسبة إلى خلق الممكنات من علوياتها وسفلياتها ، وهو تصور حسن في نفسه ، ولكنه تحديد لقدرة الله تبارك وتعالى وإرادته الكاملة ، بحسب غاية ما يدركونه بعقولهم ، وهو أعمّ من الواقع بلا إشكال ، لأن الواقع ذاتا وصفة وفعلا ومن كلّ حيثية وجهة غير محدود ، فكما أن ذاته الأقدس أجل من أن يحيط به العقول ، فكذا صفاته العليا وفعله وسائر ما هو من ناحيته جلّت عظمته ، فلا يمكن تحديد قوله تعالى : (إِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) بشيء أبدا.
نعم إن أرادوا به السنّة الإلهية من أنه أبى أن يجري الأمور إلا بأسبابها ، فهو صحيح ، ولكن لا دليل على تحديد ما ذكروه من عقل أو نقل ، وللبحث بقية نتعرّض لها إن شاء الله تعالى.
بحث عرفاني :
لا ريب في أن الإنسان أشرف الممكنات ، لأنه الفصل الأخير لجميعها في المسير الاستكمالي ، فيكون الكلّ متوجّها إليه بالتكوين ، توجّه المقدّمات بالنتيجة.
وفيه اجتمعت العلل الأربع ، أما العلّة الفاعلية ، فقد قال الله تعالى بعد ذكر الأدوار وعوالم خلق الإنسان : (فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ) [سورة المؤمنون ، الآية : ١٤].
وأما العلّة المادية ، فقد أخبر سبحانه وتعالى أنه المباشر للخلق والتربية :