ولا دلالة لهذه الجملة على كون المعنى منها لزوم صلاة الجماعة ، كما ذكره بعض المفسّرين ، بل المراد منها هو لزوم الموافقة مع المصلّين والدخول في زمرتهم.
وإنما ذكر سبحانه (الرب) ، لأن ربوبيّته المطلقة تقتضي إيصال كلّ ممكن لغايته ، وغاية العبوديّة الحقيقيّة هي الوصول إلى مقام الاصطفاء ، فتكون الجملة في مقام التعليل للجملة الاولى ، أي : أن علّة الاصطفاء هي الخضوع للحي القيوم والسجود والركوع له ، والانخلاع عن الرذائل والانقطاع إلى الله تعالى.
وإنما قدّم سبحانه السجود قبل الركوع ، لكمال أهمية السجود من الركوع وغيره من العبادات ، ففي الحديث : «أقرب ما يكون العبد من ربّه وهو ساجد» ، مع أنه يمكن أن يراد من الركوع مطلق الصلاة ، ولم يعلم بوجه صحيح أن صلاتهم كانت مثل صلاة المسلمين بتقديم الركوع على السجود.
قوله تعالى : (ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ).
(ذلك) إشارة إلى ما قصّه الله تعالى من شأن امرأة عمران ومريم وزكريا ويحيى ، وما تضمّنته من البلاغة والغرابة.
والأنباء : جمع نبأ ، كالأخبار جمع خبر ، ولكن النبأ أخصّ من مطلق الخبر ، لأن النبأ يطلق على الخبر ذي الفائدة العظيمة ، والخبر أعمّ منه ، وقد يطلق على مطلق الخبر مع القرينة ، ويمكن أن يستفاد من موارد الاستعمالات القرآنيّة أن النبأ يستعمل غالبا في الموارد التي تستفاد فائدة الخبر من ناحية العلّة ، والخبر بالعكس.
والغيب : كلّما غاب عن الحواس الظاهريّة والمعنويّة ، سواء كان من موجودات هذا العالم في ما مضى ويأتي ، أم عالم آخر. ومادة (غيب) كثيرة الاستعمال في القرآن مفردا وجمعا ، ولعلّ من أعظم موارد استعمالها قوله تعالى : (عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً* إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ) [سورة الجن ، الآية : ٢٦ ـ ٢٧].
والوحي هنا إلقاء المعنى إلى الغير على وجه خفي ، سواء كان بإرسال الملك أم الإلهام ، أو غير ذلك ، ولا يختصّ بالنفوس الإنسانيّة ، بل يعمّ غيرها ، لأن جميع