أمرنا به وحث عليه القرآن الكريم ، ولكن التماس الأسباب على قسمين :
الأوّل : أن تلحظ مستقلة مع قطع النظر عنه عزوجل بالمرّة ، وهذا مذموم بل هو الشرك بعينه ، وتكون قرينة الخيبة غالبا.
الثاني : أن ينظر إليها من حيث إنها من قبيل المعدات قد أفاضها الله عزوجل ، وهذا القسم ممدوح بل هو التوحيد الخالص ، ولكن ترتب النتيجة منوط بإرادة الله تعالى ، فإن اعتقاد الخير في نظر الفاعل لا يغيّر الواقع عمّا عليه ، قال تعالى : (وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) [سورة البقرة ، الآية : ٢١٦].
وبالجملة : أن كون الخير بيده عزوجل ، وأن بيده ملكوت كلّ شيء ، لا ينافي تسبّب الأسباب الظاهريّة وإيكال الأمور الخارجة عن علم الإنسان إليه عزوجل ، بل لا بد من ذلك.
بحث عرفاني :
الإنسان قرين الحاجة والفقر ، وهو يحتاج في حدوثه وبقائه إلى الله جلّ جلاله ، وبعد كون الخير بيده تعالى فلا بد من الرجوع إليه عزوجل والتماس الخير منه والإعراض عمّا سواه ليتمّ له التوحيد الفعلي ، كما يتمّ بذلك تفويض الأمر إليه عزوجل وتتجلّى في قلبه هذه الآية الشريفة ، ويكون من مظاهر : «لا حول ولا قوة إلّا بالله» ، فتسهل عليه جملة من الصعاب التي عاقت أهل الدنيا عن الوصول إلى مقاصدهم ، فإن من شاهد القيوميّة المطلقة منه تعالى في وجوده وبقائه وجميع شؤونه ، لا يرى لنفسه شيئا إلّا مثل قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ إِنَّكَ كادِحٌ إِلى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ) [سورة الانشقاق ، الآية : ٦] ، وتتم بذلك نشأة الآخرة ، حيث تكون من مظاهر قوله تعالى : (يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ* ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً* فَادْخُلِي فِي عِبادِي* وَادْخُلِي جَنَّتِي) [سورة الفجر ، الآية : ٢٧ ـ ٣٠] ، ولا معنى للعبوديّة الحقيقيّة إلّا ذلك ، ويتّحد المبدأ والمآب حينئذ من كلّ