تعالى ، في مقابل من كان في قلبه زيغ فيتّبع ما تشابه منها.
ويرد عليه : أن قول : كلّ من عند ربنا ، قول عامّة المسلمين ، فإنهم يعتقدون بأن القرآن كلّه من عند الله تعالى ، بلا فرق بين عالمهم وجاهلهم وأهل البادية والسوق منهم ، وسياق الآية الشريفة سياق المدح والثناء ، فيختصّ بقوم خاص ، ولا يعمّ كلّ من قرأ القرآن ولا يلتفت إلى مداليل الآيات المباركة ومعانيها ، فهذا الوجه مخدوش.
إلا أن يراد من الراسخين في العلم المعنى السلبي ، أي : من ليس في قلبه زيغ ولم يمل من الحقّ إلى الباطل ، فيشمل عامّة المسلمين أيضا ، ولا يختصّ بصنف خاص. فيصير معنى الآية المباركة : من كان بصدد الإضلال والإلحاد يتبع المتشابه ، ومن لا يكون كذلك يقول : كلّ من عند الله.
وهو بعيد عن سياق الآية الشريفة أيضا.
والمنساق من الآية الشريفة أن الجملة معطوفة على الله ، أي : لا يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم. والراسخ في العلم منحصر بسيد الأنبياء صلىاللهعليهوآله ومن استفاد منه هذا العلم ، حيث قال فيه : «اللهم علّمه التأويل» ، وعن علي عليهالسلام : «علّمني رسول الله ألف باب من العلم يفتح من كلّ باب ألف باب» ، فالجملة ليست مستأنفة بل معطوفة على المستثنى ، ويكون من قبيل عطف البعض على الكلّ مثلا ، لأن هذا العلم بالنسبة إلى الله تعالى أولا وبالذات ، وبالنسبة إلى سيد الأنبياء ثانيا وبالعرض ، فيكون كنسبة علم المتعلّم إلى المعلم ، وهذا الوجه هو الظاهر من الآية المباركة ، وتدلّ عليه روايات كثيرة ، كما يأتي. وإنما أتى بلفظ الجمع تعظيما وإجلالا ، وليشمل المصطفى سيد المرسلين والمتّقين ، الذي هو في قمة مقام اليقين بالنسبة إلى المعارف الربوبية ، ولا فرق بين علمه صلىاللهعليهوآله بالتأويل وعلمه تعالى به إلا بالاعتبار ، لفرض أن علمه بالتأويل من علم الله تعالى ، فالفرق بينهما بالمظهر (بالضم) والمظهرية (بالفتح) في مقام التنزيل والتأويل ، ولذا صار صلىاللهعليهوآله خاتما لمن سبق وفاتحا للعلوم والمعارف لمن لحق ، وهذا في الممكنات يختصّ به ، فهو الراسخ