يمكن أن يتصور ماهية البياض بما هي ، بقطع النظر عن موضوع يتصف بهذه الأبيضية ، مع أنه بحسب عالم الخارج ، البياض لا يعقل وجوده إلّا مرتبطا بموضوعه ، إذ لا يعقل أن يوجد في الخارج بياض بلا جسم. وهذا يبرهن على أن الذهن قد يعطي أنحاء من الوجود للمفاهيم ، لا مطابق لها في الخارج ، فكما أعطى لماهية البياض نحوا من الوجود الغير الافتقاري إلى الموضوع في الذهن ، مع أن وجود البياض في الخارج افتقاري دائما ، كذلك يمكن أن يفرض أن المعنى الحرفي في عالم الذهن له نحوان من الوجود : تارة يوجد بوجود استقلالي ، وأخرى يوجد بوجود تبعي ، ولكن في عالم الخارج يتمحض في أحد النحوين ، وهو الوجود التبعي.
ثم كأنّ المحقق الأصفهاني حمّل على (صاحب الكفاية) مطلبا ، وهو الفراغ من أن معاني الحروف هي النسب فقال : بأن معاني الحروف وهي النسب ، لا تقبل في الخارج الوجود الاستقلالي بل الوجود التبعي ، مع أن هذا هو أول الكلام في المقام ما بينه وبين صاحب (الكفاية) فهذا تحميل على صاحب (الكفاية).
وصفوة القول ، وإن كنا نقبل أنّ النسبة لا يعقل أن يكون لها نحوان من الوجود ، بل وجودها دائما تبعي ظلي ، كما سوف يأتي توضيحه ، لكن لا نقبل هذا الطراز من الاستدلال البرهاني ، فلا نقبل من المحقق الأصفهاني ، أنّ الاستقلال في المعنى الحرفي لا يقبل الاستقلال في الوجود الذهني ، ببرهان أنه لا يقبل الاستقلال في الوجود الخارجي ، مع لزوم التطابق بين أنحاء الوجود الخارجي ، وأنحاء الوجود الذهني ، بل البرهان قائم على العكس ، كما قلنا في مفهوم البياض.
إذن فلا يلزم من أن المعنى الحرفي تبعي دائما أن لا يكون في عالم الذهن استقلاليا تارة ، وتبعيا أخرى ، فهذا البرهان في غير محله.