إن كان صحيحا ـ أن يريد : ما أخبر بما ظاهره الكذب إلّا ثلاث دفعات ، فأطلق عليه اسم الكذب لأجل الظاهر ، وإن لم يكن على الحقيقة كذلك» (١).
تفسير القرآن بالقرآن
يعدّ النصّ القرآني أفضل نصّ عربي فصاحة وبيانا وأوثق ما عرفته العربية من فنون القول ، ولذلك كان في مقدّمة النصوص الّتي يحتجّ بها ، سواء أتعلق الاستشهاد القرآني بالدراسات الإسلامية أم اللغوية أم غيرهما ، فالشاهد إذا كان كلام الله تعالى ، فهو خير شاهد ، ودونه كلّ الشواهد.
إنّ هذا الأسلوب ـ أعني تفسير القرآن بالقرآن ـ يجعل بعض آي القرآن شاهدا لبعضها الآخر ، فهو يستنطق القرآن في تبيين ما استغلق منه ، وإزالة إشكال ما أشكل أو تخصيص عمومه ، أو التوفيق بين الآيات الّتي يوهم ظاهرها بالتناقض والاختلاف ، مع أنها ليست كذلك (٢).
ولا بدّ لمن يتعرّض لتفسير كتاب الله تعالى أن ينظر في القرآن الكريم أوّلا ، «فيجمع ما تكرّر منه في موضع واحد ، ويقابل الآيات بعضها ببعض ، ليستعين بما جاء مسهبا على معرفة ما جاء موجزا ، وبما جاء مبينا على فهم ما جاء مجملا ، وليحمل المطلق على المقيّد ، والعام على الخاص ، وبهذا يكون قد فسّر القرآن بالقرآن ... وهذه مرحلة لا يجوز لأحد مهما كان أن يعرض عنها ، ويتخطأها إلى مرحلة أخرى (٣).
ويبدو أن علماء التفسير في عهودهم المبكرة التفتوا إلى هذا الأسلوب في في التفسير ، ولعلّ كتاب الأشباه والنظائر لمقاتل بن سليمان (ت ١٥٠ ه) يعدّ من أوائل الكتب الّتي وظفت أسلوب تفسير القرآن بالقرآن على نطاق واسع وبمنهجية متميّزة ، فهو حين يعرض لتفسير لفظة «الهدى» في القرآن الكريم ، يذكر لها سبعة
__________________
(١) تنزيه الأنبياء : ٤٥.
(٢) ينظر تفسير القرآن بالقرآن ، ٢٨٥.
(٣) التفسير والمفسّرون ، ٢ : ٤٠.