وممّا يبيّن ذلك أيضا أنّ الله أوجب علينا أن نرضى بقضائه ولا نسخطه ، وأوجب علينا أن نسخط الكفر ولا نرضاه ، فعلمنا أنّ الكفر ليس من قضاء ربّنا.
وممّا يبيّن ذلك أنّ الله تعالى أوجب علينا أن ننكر المنكر وأن نمنع الظلم ، فلو كان الظلم من قضاء ربّنا كان أوجب علينا أن ننكر قضاءه وقدره ، فلمّا لم يجز أن يوجب الله تعالى إنكار قضائه ولا ردّ قدره ، علمنا أنّ الظلم ليس من قضائه ولا قدره.
وأيضا قال الله تعالى في كتابه : (وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِ) (١) وقال : (يَقْضِي بِالْحَقِ) (٢) فعلمنا أنّ ما كان بغير الحقّ غير ما قضي بالحقّ ، فلو كان قتل الانبياء من قضاء الله كان حقّا ، وكان يجب علينا الرضا به ، لأنّه يجب علينا الرضا بقضاء الله ، وقد أمر الله تعالى أن لا يرضى بغير الحقّ ولا يرضى بقتل الأنبياء ، فعلمنا أنّ قتلهم ليس بقضاء ربّنا ولا من فعل خالقنا.
وممّا يبين أنّ الله تعالى لم يقدّر الكفر قوله تعالى في كتابه : (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (١) الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى (٢) وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدى (٣)) (٣) ولم يقل : إنّه قدّر الضلال على خلقه ، ولا قدّر الشقاء على خلقه ؛ لأنّه لا يجوز أن يتمدّح بأنّه قدّر الضلال عن الحقّ ، وكلّ ضلال عن الحقّ فمن تقديره ، تعالى عن ذلك علوّا كبيرا.
فصل
معنى خلق الأشياء كلها
فإن قيل : فما معنى قول الله تعالى : (خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) (٤) (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ) (٥)؟
قيل له : إنّما أراد به خلق السماوات والارض والليل والنهار والجنّ
__________________
(١) سورة البقرة ، الآية : ٦١.
(٢) سورة غافر ، الآية : ٢٠.
(٣) سورة الأعلى ، الآيات : ١ ـ ٣.
(٤) سورة الأنعام ، الآية : ١٠٢.
(٥) سورة الأنعام ، الآية : ١٠١.