قلنا : الظاهر بخلاف ذلك ؛ لأنّ عطف الشكر على الذكر يقتضي تساوي حكمهما في المحل وغيره ، وجرى ذلك مجرى قول القائل : اضرب زيدا في الدار وقيّده ، في أنّ الدار محل للفعلين معا (١).
ـ (أُولئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللهُ سَرِيعُ الْحِسابِ) [البقرة : ٢٠٢].
[إن سأل سائل] فقال : أيّ تمدّح في سرعة الحساب ، وليس بظاهر وجه المدحة فيه؟
الجواب : قلنا في ذلك وجوه :
أوّلها : أن يكون المعني أنّه سريع المجازاة للعباد على أعمالهم ، وأنّ وقت الجزاء قريب وإن تأخّر ، ويجري مجرى قوله تعالى : (وَما أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ) (٢).
وإنّما جاز أن يعبّر عن المجازاة أو الجزاء بالحساب ؛ لأنّ ما يجازى به العبد هو كفء لفعله ولمقداره ، فهو حساب له إذا كان مماثلا مكافئا.
وممّا يشهد بأنّ في الحساب معنى الكفاية والمكافأة قوله تعالى : (جَزاءً مِنْ رَبِّكَ عَطاءً حِساباً) (٣) ، أي عطاء كافيا ، ويقال : أحسبني الطعام يحسبني إحسابا إذا كفاني ، قال الشاعر :
وإذ لا ترى في النّاس حسنا يفوتها |
|
وفي النّاس حسن لو تأمّلت محسب (٤) |
معناه كاف.
وثانيها : أن يكون المراد أنّه عزوجل يحاسب الخلق جميعا في أوقات يسيرة ، ويقال : إنّ مقدار ذلك حلب شاة ؛ لأنّه تعالى لا يشغله محاسبة بعضهم عن محاسبة غيره ، بل يكلّمهم جميعا ويحاسبهم كلّهم على أعمالهم في وقت واحد ؛
__________________
(١) الانتصار : ٨٩.
(٢) سورة النحل ، الآية : ٧٧.
(٣) سورة النبأ ، الآية : ٣٦.
(٤) في حاشية بعض النسخ : «يصف امرأة بالحسن ويبالغ في وصفها ؛ يقول : ما رأينا حسنا فات هذه المرأة وتعداها مع أن ما في الناس كفاية حسن».