فإذا قيل : لو كان ذلك لظهر وانتشر ، قيل : يمكن أن يقع على وجه من الخفاء لا يظهر.
ثمّ أكثر ما يدّعى في وجوب ظهور ذلك لو كان عليه الظنّ ، فأمّا العلم اليقين المقطوع به فلا يجب حصوله.
والقسم الثاني : إنّما يكون دالّا إذا وقع عن مخبر مطابق للخبر وقبل أن يقع ذلك لا فرق في الخبر بين أن يكون صدقا أو كذبا ، ومن المعلوم أن الحجّة بالقرآن كانت لازمة قبل وقوع مخبرات هذه الأخبار.
وأمّا من ذهب في إعجازه إلى زوال الاختلاف عنه والتناقض مع طوله ، وادّعى أن ذلك ممّا لم يجربه العادة في كلام طويل بمثله ، والّذي يبطل قوله : انه لا شبهة في أن ذلك من فضائل القرآن ومن آياته الظاهرة ، لكنّه لا ينتهي إلى أن يدّعى أنه وجه إعجازه ، وأن العادة انخرقت به ؛ لأن الناس يتفاوتون في زوال الاختلاف والتناقض عن كلامهم ، وليس يمتنع أن يزول عن الكلام ذلك كلّه مع التيقظ الشديد. والتحفّظ التام ، فمن أين لمدعي ذلك أن العادة لم تجر بمثله؟
فأمّا قوله تعالى : (وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) (١) فإنّما هو جهة لعلمنا بالقرآن لو كان من عند غيره لكان فيه اختلاف ، وإنّما رددنا على من قال إنّي أعلم ذلك بذلك قبل العلم بصحّة القرآن ، وجعله وجه إعجازه (٢).
ـ (إِنَّ اللهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ ما ذا أَرادَ اللهُ بِهذا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ (٢٦) الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (٢٧)) [البقرة : ٢٦ و ٢٧] (٣).
__________________
(١) سورة النساء ، الآية : ٨٢.
(٢) الذخيرة : ٣٦٤.
(٣) أخترنا هذه الآية للبحث عن الجبر والقدر تبعا للعلّامة الطباطبائي رحمهالله في تفسيره القيّم «الميزان» ولأنّ السيّد رحمهالله أيضا استشهد بها في كلامه.