المرئي طلبا لرؤيته. وان وصفناه تعالى بأنه ناظر أي راحم إذا قيّدناه.
ولا يوصف تعالى بأنه «شامّ» و «ذائق» ؛ لأنا قد بيّنا في صدر هذا الكتاب أن ذلك ليس بعبارة عن الإدراك وإنّما هو عبارة عن تقريب الجسم إلى الحاسة ، وأنهم يقولون : شمته فلم أجد له ريحا ، وذقته فلم أجد له طعما (١).
[الثاني :] ويوصف تعالى بأنه «عليّ» و «عال» و «متعال» ، ويراد بذلك أنه قاهر للأشياء قادر عليها ، كما قال الله تعالى : (مَا اتَّخَذَ اللهُ مِنْ وَلَدٍ وَما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ) (٢) ، أراد تعالى غلّب بعضهم بعضا وقهره ، وقال تعالى : (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الْأَرْضِ) (٣) أي قهر أهلها.
وقد قيل : إن معنى ذلك التنزّه عن القبائح نحو قوله تعالى : (تَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ) (٤) (٥).
ـ (اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ) [البقرة : ٢٥٧].
[إن سأل سائل] فقال : أليس ظاهر هذه الآية يقتضى أنّه هو الفاعل للإيمان فيهم؟ لأنّ النور هاهنا كناية عن الإيمان والطاعات ، والظلمة كناية عن الكفر والمعاصي ، ولا معنى لذلك غير ما ذكرناه. وإذا كان مضيفا للإخراج إليه فهو الفاعل لما كانوا به خارجين ، وهذا خلاف مذهبكم.
الجواب : قلنا : أمّا النور والظلمة المذكوران في الآية فجائز أن يكون المراد بهما الإيمان والكفر ، وجائز أيضا أن يراد بهما الجنّة والنار ، والثواب والعقاب فقد تصحّ الكناية عن الثواب والنعيم في الجنّة بأنّه نور ، وعن العقاب في النار بأنّه ظلمة ، فإذا كان المراد بهما الجنّة والنار ساغت إضافة إخراجهم من الظلمات إلى النور إليه تعالى ؛ لأنّه لا شبهة في أنّه جلّ وعزّ هو المدخل للمؤمن الجنّة ، والعادل به عن طريق النار. والظاهر بما ذكرناه أشبه ؛ لأنّه يقتضى أنّ
__________________
(١) الذخيرة : ٥٨٥.
(٢) سورة المؤمنون ، الآية : ٩١.
(٣) سورة القصص ، الآية : ٤.
(٤) سورة يونس ، الآية : ١٨.
(٥) الذخيرة : ٥٨١.