المقدّمة السادسة : باب الكلام في الإجماع
[وفيها أمور :]
[الأوّل] : اختلف الناس في هذه المسألة : فقال أكثر المتكلّمين وجميع الفقهاء :
إنّ إجماع أمّة النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم حجّة ، وإنّهم لا يجوز أن يجمعوا على باطل ، وخالف النّظّام ومن تابعه في ذلك ، ونفى كون الإجماع حجّة ، وحكي عن قوم من الخوارج مثل ذلك ، وحكي أيضا عن بعضهم أنّه أحال كون الإجماع حجّة ، وذهب إلى أنّه لا يجوز في جماعة يجوز الخطأ على كلّ واحد منها أن ينتفي عن جماعتها ، وآخرون نفوا كونه حجّة ، بأن قالوا : إن أجمعوا على الشيء تبخيتا ، فذلك لا يجوز اتّباعه ، وإن كان توقيفا عن نصّ ، فيجب ظهور الحجّة بذلك ، ويغني عن الإجماع ، وإن كان عن قياس ؛ فلن يجوز مع اختلاف الهمم وتباين الآراء واختلاف وجوه القياس أن يتّفقوا على ذلك. وفي الناس من نفى الإجماع ، لتعذّر العلم باتّفاق الأمّة ، مع أنّها غير معروفة على مذهب من المذاهب.
والصحيح الّذي نذهب إليه أن قولنا «إجماع» إمّا أن يكون واقعا على جميع الأمّة ، أو على المؤمنين منهم ، أو على العلماء فيما يراعي فيه إجماعهم ، وعلى كلّ الأقسام لا بدّ من أن يكون قول الإمام المعصوم داخلا فيه ؛ لأنّه من الأمّة ، ومن أجلّ المؤمنين ، وأفضل العلماء ، فالاسم مشتمل عليه ، وما يقول به المعصوم لا يكون إلّا حجّة وحقّا ، فصار قولنا موافقا لقول من ذهب إلى أنّ الاجماع حجّة في الفتوى ، وإنّما الخلاف بيننا في موضعين ؛ إمّا في التعليل ، أو الدلالة ؛ لأنّا نعلّل كون الإجماع حجّة بأنّ العلّة فيه اشتماله على قول معصوم قد