كونه متكلّما باللّغة ، من غير حاجة إلى قصد استعمالها فيما وضعوه. وهذه الجملة كافية في إسقاط الشّبهة (١).
[العاشر : في حدّ العلم وأقسامه]
واعلم أن العلم ما اقتضى سكون النفس. وهذه حالة معقولة يجدها الإنسان من نفسه عند المشاهدات ، ويفرّق فيها بين خبر النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم بأن زيدا في الدّار وخبر غيره. غير أنّ ما هذه حاله ؛ لا بدّ من كونه اعتقادا يتعلّق بالشيء على ما هو به. وإن لم يجز إدخال ذلك في حدّ العلم ؛ لأنّ الحدّ يجب أن يميّز المحدود ، ولا يجب أن يذكر في جملة ما يشاركه فيه ما خالفه. ولئن جاز لنا أن نقول في حدّ العلم : إنّه اعتقاد للشيء على ما هو به مع سكون النفس ، ونعتذر ، بأنّا أبنّاه ، بقولنا اعتقاد ، من سائر الأجناس. وبتناوله المعتقد على ما هو به ، من الجهل ، وبسكون النفس ، من التقليد ، فألّا جاز أن نقول في حدّه عرض ، لبينه عن الجوهر ، ويوجب حالا للحيّ ، لبينه ممّا يوجب حالا للمحلّ. ويحلّ القلب ولا يوجد إلّا فيه ، لبينه ممّا يحلّ الجوارح.
والعلم ينقسم إلى قسمين ؛ أحدهما : لا يتمكّن العالم به من نفيه عن نفسه بشبهة إن انفرد ، وإن شئت قلت لأمر يرجع إليه ، وإن شئت قلت على حال من الحالات ، والقسم الآخر : يتمكّن من نفيه عن نفسه على بعض الوجوه.
والقسم الأول على ضربين : أحدهما : مقطوع على أنّه علم ضروري ومن فعل الله تعالى فينا ، كالعلم بالمشاهدات وكلّ ما يكمل به العقل من العلوم. والقسم الثاني : مشكوك فيه ويجوز أن يكون ضروريّا ومن فعل الله فينا ، كما يجوز أن يكون من فعلنا ، كالعلم بمخبر الإخبار عن البلدان والحوادث الكبار. وإنّما شرطنا ما ذكرناه من الشّروط ، احترازا من العلم المكتسب إذا قارنه علم
__________________
(١) الذريعة ، ١ : ١٧.