ويعدّ ذلك من فصيح الكلام ، لأنّ الفصيح ـ كما يقول ـ ينتقل من خطاب مخاطب إلى غيره ، فالكلام واحد متّصل بعضه ببعض والخطاب منتقل من واحد إلى غيره. وهذا الّذي ذكره المرتضى هو ما عرف في الدراسات البلاغية المتأخّرة «بالالتفات» ، ويعنون به : «العدول عن الغيبة إلى الخطاب أو على العكس» (١) ، وهذا ـ كما يرى الزمخشري ـ يجري على عادة افتتان العرب في الكلام ، وتصرّفهم فيه ، ولأنّ الكلام إذا نقل من إسلوب إلى إسلوب «كان ذلك أحسن تطرية لنشاط السامع ، وإيقاظا للإصغاء إليه من إجرائه على اسلوب واحد» (٢).
ولم يكتف المرتضى بهذا الرأي الّذي يرجحه العقل ويؤيّده السياق ، ولكنّه ـ وربّما بدافع الحرص على تنزيه الأنبياء ـ يتكلّف من الآراء ما يأباه السياق وتتابع الآيات ، فيقول في توجيه الآية السابقة : منها أن تكون الهاء في قوله تعالى : (جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ) راجعة إلى الولد لا إلى الله تعالى ، ويكون المعنى : إنّهما طلبا من الله تعالى أمثالا للولد الصالح فشركا بين الطلبتين ، ويجري هذا القول مجرى قول القائل : طلبت منّي درهما فلمّا أعطيتك شركته بآخر ، أي طلبت آخر مضافا إليه ، فعلى هذا الوجه لا يمتنع أن تكون الكناية من أوّل الكلام إلى آخره راجعة إلى آدم وحوّاء عليهماالسلام» (٣).
وهذا الرأي لا يرجحه السياق ، فقد جاء بعد الآية السابقة مباشرة قوله تعالى : (أَيُشْرِكُونَ ما لا يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ) (٤) ، وفي هذا دلالة على أنّ المراد في الآية الأولى هو الإشراك بالله تعالى دون الإشراك في الطلب ، والله أعلم بمراده.
سياق الحال :
ويراد به الأحوال والظروف والملابسات الّتي تصاحب النصّ وتحيط به ، أو قل هو «كلّ ما يحيط باللفظه من ظروف تتّصل بالمكان أو المتكلّم أو
__________________
(١) نهاية الإيجاز : ١١٢.
(٢) الكشّاف ، ١ : ٦٤.
(٣) تنزيه الأنبياء : ١٩.
(٤) سورة الأعراف ، الآية : ١٩١.