وشهادته بالرسالة في قوله تعالى : (وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْراكُمْ) (١) ، وفي قوله تعالى : (ثُمَّ أَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ) (٢) ، وفي قوله تعالى : (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ) (٣) ، وفي قوله تعالى : (وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِيثاً) (٤) ، فكلّ القصص إذا تؤمّلت على أنها شاهدة بنبوّة نبيّنا صلىاللهعليهوآلهوسلم وصدقه.
وليس لأحد أن يقول : فلعلّ هذه الآيات المقصوصة ليست من جملة الكتاب المعجز فيه ، وإنّما ألحقت به وأضيفت إليه ؛ وذلك أن الّذي يؤمّن من هذا الطعن : أنا قد علمنا أن كلّ آية أو آيات اختصّت بما ذكرناه من القصص والحوادث تزيد على مقدار سورة قصيرة ، وهي الّتي وقع التحدّي بها وتعذرت معارضتها ، فلو تأتي للمحقّ أن يلحق بالقرآن مثل هذه الآيات لكان ذلك من العرب الّذين تحدّوا به أشدّ تأتيا وأقرب تسهلا.
وهذا جواب كاف إن اعتمده من ذهب إلى خرق العادة بفصاحته ، ويعود إلى مذاهب من ذهب في إعجاز القرآن خلاف الصرفة ممّا حكينا مذهبه.
أمّا مذهب من يقول : إنّه خرق العادة بفصاحته. فقد مضى الكلام الطويل في إبطال مذهبه.
وأمّا مذهب البلخي فباطل ؛ لأنه قال : إن نظم القرآن وتأليفه مستحيلان من العباد كاستحالة احداث الأجسام ، وإبراء الاكمه والأبرص ، وإذا كان القرآن لا نظم له على الحقيقة ولا تأليف وإنّما يستعار فيه هذا اللفظ من حيث حدث بعضه في أثر بعض تشبيها بتأليف الجواهر ، فكيف يصحّ أن يقال : تأليف القرآن مستحيل.
وأمّا الحروف فهي كلّها في مقدورنا ، والكلام يتركّب من حروف المعجم الّتي يقدر عليها كلّ قادر على الكلام ، وألفاظ القرآن غير خارجة من حروف المعجم الّتي يقدر عليها كلّ متكلّم.
وليس لهم أن يقولوا : إن مرادي بالنظم والتأليف هو الترتيب والفصاحة
__________________
(١) سورة آل عمران ، الآية : ١٥٣.
(٢) سورة التوبة ، الآية : ٢٦.
(٣) سورة المنافقون ، الآية : ٨.
(٤) سورة التحريم ، الآية : ٣.