وينطبق عنوان الاصوليّين عليه ، ويجري هذا النزاع في الغائب الموجود في زمان التكليف أيضا ، ويكون النزاع على هذا الاحتمال أيضا نزاعا عقليّا.
الثالث : أنّ الألفاظ العامّة ، مثل : «الذين» و «الناس» الواقعة عقيب أداة الخطاب ، مثل : «يا أيّها» ، هل تعمّ الغائبين ـ بل المعدومين ـ بالوضع أم لا؟
توضيح ذلك : أنّ الظاهر من أداة الخطاب هو الاختصاص بالحاضرين الموجودين ، والظاهر من العناوين العامّة المذكورة هو شمول جميع المكلّفين إلى يوم القيامة ، والبحث في أقوائيّة ظهور أيّ منهما ، فيكون النزاع على هذا الوجه لغويّا. هذا تمام كلامه قدسسره.
ولكن سلّمنا أنّ المسألة على الاحتمالين الأوّلين مسألة عقليّة ، إلّا أنّ المسألة العقليّة قد تكون بديهيّة ، وقد تكون نظريّة ، وما يبحث عنه في علم الاصول هي العقليّة النظريّة ، فلا يصحّ تحرير محلّ النزاع بمثل ما ذكره في الاحتمال الأوّل والثاني ، فإنّ بطلان تعلّق البعث والزجر بالمعدوم مع وصف كونه معدوما ، وهكذا خطابه بالخطاب الحقيقي من البديهيّات العقليّة ، ولا يكون قابلا للبحث فضلا عن النزاع فيه في الأعصار والأمصار ، والاختلاف هنا يرشدنا إلى عدم صحّة تحرير محلّ النزاع بهذه الكيفيّة.
ولكن نسب إلى بعض علماء الحنابلة ـ كما ذكر صاحب الفصول قدسسره (١) ـ قولهم بجواز خطاب المعدوم وتكليفه في حال المعدوميّة ، واستدلّوا بقوله تعالى : (إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ)(٢) ، بأنّه تعالى يوجّه التكليف قبل إيجاد شيء ووجوده بواسطة لفظ «كن» وبعد جعله مخاطبا
__________________
(١) الفصول الغروية : ١٧٩ ـ ١٨٣.
(٢) يس : ٨٢.