الدليل الثاني : ما أشار إليه صاحب الكفاية قدسسره (١) بقوله : إنّ ملاك البحث يعمّ التنزيهي ، ومعه لا وجه لتخصيص العنوان ، واختصاص عموم ملاكه بالعبادات لا يوجب التخصيص بالنهي التحريمي كما لا يخفى.
وهذا إشارة إلى التوهّم الذي يكون دليلا للقائل بخروج النهي التنزيهي عن محلّ البحث ، وهو أنّ عموم الملاك يختصّ بالعبادات ؛ لأنّ المرجوحيّة المستكشفة عن النهي ـ تحريميّا كان أو تنزيهيّا ـ إنّما تنافي صحّة العبادة ؛ لأنّها تستدعي المحبوبيّة المنافية للمرجوحيّة دون المعاملة ؛ إذ لا ملازمة قطعا بين النهي التنزيهي فيها وبين الفساد ، فلا تنافي مرجوحيّتها صحّتها ، كما في مثل بيع الكفن حيث يكون كذلك ، فيكون عدم اطّراد عموم الملاك في المعاملات قرينة على إرادة التحريمي من النهي المذكور في العنوان ؛ لأنّه مطّرد في العبادات والمعاملات.
والحقّ في جوابه ما قال به المحقّق الخراساني قدسسره.
ثمّ إنّه قد اختلف العلماء في دخول النهي الغيري وعدمه في محلّ النزاع ، فقال صاحب القوانين قدسسره (٢) : بأنّه خارج عنه ؛ لعدم استحقاق العقوبة على مخالفته ، وهو نظير الأمر الغيري ، فلذا لا يشمله البحث.
وأجاب عنه صاحب الكفاية قدسسره بأنّ دلالة النهي الغيري على الفساد على القول به إنّما يكون لدلالته على الحرمة من غير دخل لاستحقاق العقوبة على مخالفته في ذلك ، ويؤيّد ذلك أنّه جعل ثمرة النزاع في أنّ الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضدّه : فساده إذا كان عبادة (٣) ، مع أنّ النهي المتعلّق بالعبادة كالصلاة
__________________
(١) كفاية الاصول ١ : ٢٨٤.
(٢) قوانين الاصول ١ : ١٠٢.
(٣) كفاية الاصول ١ : ٢٨٤.