ولكنّ البحث في أنّها مسألة اصوليّة لفظيّة أو مسألة اصوليّة عقليّة؟
قال المرحوم الحائري قدسسره في كتاب الدرر (١) : إنّها مسألة عقليّة.
ولكن بعد ملاحظة أنّه لا ضرورة لكون المسألة الاصوليّة عقليّة محضة أو لفظيّة محضة ، بل يمكن أن تكون مركّبة منهما ، وبعد ملاحظة أنّا نرى في الكلمات نوعين من الاستدلال على دلالة النهي على الفساد ، مثل : قولهم في مثل : «لا تبع ما ليس عندك» بأنّه لا يكون حكما تحريميّا مولويّا ، بل يكون حكما إرشاديّا ، فإنّ مفاده أنّ هذا النحو من البيع لا يؤثّر في التمليك والتملّك ، فهذا الاستدلال يرتبط باللفظ.
وأمّا الاستدلال على اقتضاء النهي فساد العبادة بأنّه إذا تعلّق بالعبادة معناه مبغوضيّتها للمولى وأنّها مبعّدة عن ساحته ، فالعقل يحكم بأنّها لا يمكن أن تكون مقرّبة إليه ، مثل صلاة الحائض ، فهذا يرتبط بالعقل. وبالنتيجة : تكون هذه المسألة عقليّة ولفظيّة معا.
المقدّمة الثالثة : أنّ الظاهر من لفظ النهي هو النهي التحريمي ، وأمّا النهي التنزيهي فهل يكون داخلا في محلّ النزاع أم لا؟ ربما يقال بخروجه عنه ، ويمكن أن يستدلّ لذلك بدليلين :
الدليل الأوّل : أنّه لا يتحقّق مورد يتعلّق النهي التنزيهي فيه بالعبادة.
توضيح ذلك : أنّ تقسيم العبادات المكروهة إلى ثلاثة أقسام ـ كما مرّ ـ لا يتعلّق النهي الكراهتي فيها بنفس العبادة ، ولذا لا يخلو عن مسامحة.
وأمّا القسم الثالث منها ـ مثل : «لا تصلّ في مواضع التهمة» ـ فقد مرّ أنّ متعلّق النهي هو الكون في مواضع التهمة وإن تحقّق في ضمن غير الصلاة ، وأمّا
__________________
(١) درر الفوائد ١ : ١٨٤ ـ ١٨٥.