الشيخ الأنصاري قدسسره (١) من كون الخروج مأمورا به فقط ، ثمّ قال : والأقوى أنّه ليس مصداقا لها ، وذكر أدلّة له ، والمهمّ منها دليلان :
الأوّل : أنّ الخروج غير ممتنع للتمكّن من تركه بإرادة البقاء ؛ إذ يجوز له أن يريد الخروج ، ويجوز له أن يريد البقاء ، فلا امتناع في البين حتّى نقول : الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار.
الدليل الثاني : أنّ مورد القاعدة المذكورة ما لا يكون للعقل نظر خاصّ فيه وإلّا لا محلّ لها ، وما نحن فيه كان كذلك ؛ إذ العقل يحكم لمن كان أمره دائرا بين الخروج والبقاء بتعيّن الخروج عليه ؛ لأنّه أقلّ المحذورين ، فلا مجال لقاعدة الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار ، فالخروج مأمور به فقط ولا يجري عليه حكم المعصية.
والعجب من المحقّق النائيني قدسسره أنّه لم يلاحظ عبارة صاحب الكفاية قدسسره بدقّة ، فإنّه صرّح بعدم ارتباطها فيما نحن فيه ، بل هي ذكرت في مقابل الأشاعرة ؛ لقولهم بأنّ أفعال الإنسان ـ كالحركة والسكون وأمثال ذلك ـ غير اختياريّة ؛ لما هو المسلّم عند الفلاسفة من أنّ الشيء ما لم يجب لم يوجد ، وأنّ الشيء ما لم يمتنع لم ينعدم ، فكلّ وجود مسبوق بوجوب الوجود ، وكلّ عدم مسبوق بامتناع الوجود ، ولا معنى لاستناد وجود القيام وعدمه إلى الإرادة ، بل عدمه مستند إلى امتناع الوجود ، ووجوده مستند إلى وجوبه.
فقالوا في جوابهم : إنّ المقصود من الواجب في القاعدة هو الواجب بالغير لا الواجب بالذات ، ومعناها أنّ الشيء ما لم تتحقّق علّته التامّة لا يمكن أن يتحقّق في الخارج ، ومعلوم أنّ الجزء الأخير للعلّة التامّة عبارة عن الإرادة ،
__________________
(١) مطارح الأنظار : ١٥١.