الظاهر أنّ القول الثالث ـ يعني كونه منهيّا عنه ـ يكون مقتضى التحقيق ، ولا يرتفع النهي الفعلي بالاضطرار ، بدليل مبناه الذي اخترناه تبعا لاستاذنا السيّد الإمام قدسسره ويترتّب عليه ثمرات متعدّدة ، وهو أنّه لا بدّ لخطابات شخصيّة من شرائط خاصّة ، فإذا توجّه الخطاب الشخصي إلى عبد من جهة المولى توقّف فعليّته وتنجّزه عليه ، واستحقاق العقوبة على مخالفته على علم المكلّف بالمكلّف به ، ومقدوريّة المأمور به له ، وعدم الاضطرار بتركه. ونضيف إليها أنّ غرضه من البعث والزجر إن كان الانبعاث والانزجار لا بدّ من علم المولى أو احتماله بتحقّق الانبعاث والانزجار فيه بعدهما ، ونضيف أيضا أنّه لا بدّ من كون المأمور به والمنهي عنه مورد ابتلاء المكلّف ، كما اشترطه الشيخ الأعظم الأنصاري قدسسره (١) لتنجّز العلم الإجمالي.
وأمّا في الخطابات العامّة ، مثل : (أَقِيمُوا الصَّلاةَ) و (آتُوا الزَّكاةَ) ، فإن قلنا بانحلالها بخطابات متعدّدة حسب تعدّد المكلّفين فهي أيضا ترجع إلى خطابات شخصيّة ، ولا بدّ فيها من تحقّق الشرائط المذكورة ، وحينئذ إذا كان البعث لغرض الانبعاث لا معنى لتوجّه الخطاب إلى الكفّار والعصاة ؛ لأنّ الله تعالى يعلم بكفرهم وعصيانهم.
ولكنّ التحقيق فيها عدم الانحلال ، وأنّه لا بدّ لها من شرائط خاصّة اخرى ، ونرى بالوجدان شمولها لجميع المكلّفين من القادر والعاجز والعالم والجاهل والمضطرّ وغيره والكافر والعاصي ، ويصحّ توجّه الخطاب إليهم بعد علم المولى بامتثال أكثرهم أو عدّة منهم ، ولذا يعبّر في الروايات والمحاورات أنّ الجاهل والعاجز معذور في المخالفة ، لا أنّهما خارجان عن دائرة التكليف.
__________________
(١) انظر : فرائد الاصول (تراث الشيخ الأعظم) ٢ : ٣٣٣ ـ ٣٣٤.