يوجب التمكّن من الكون على السطح لا عنوان مفهوم المقدّمة ، فالمعروض للوجوب في قولنا : «المقدّمة واجبة» هو مصداق المقدّمة ، فما يتعلّق به الأمر الغيري في الطهارات الثلاث عبارة عن الغسلتين والمسحتين مع قصد القربة ـ مثلا ـ إذ الوضوء العبادي واجب بالوجوب الغيري ، فلا بدّ من تحقّق قصد القربة قبل الأمر الغيري ، فإنّ رتبة الموضوع متقدّمة على رتبة الحكم ، والمفروض أنّ عباديّة الوضوء تتحقّق بنفس هذا الأمر الغيري ، فالأمر الغيري يتوقّف على عباديّته ، وعباديّته متوقّفة على الأمر الغيري. وحاصل الدور : أنّ الأمر الغيري بما أنّه حكم متأخّر عن الوضوء العبادي ، وبما أنّه دخيل في عباديّة الوضوء العبادي متقدّم عليه.
وقال المحقّق العراقي قدسسره (١) في مقام الجواب : إنّ الأمر الغيري المتوجّه إلى المركّب أو المقيّد ينبسط ويتبعّض على أجزاء متعلّقه الخارجيّة والعقليّة كانبساط الأمر النفسي على أجزاء الواجب مع بقاء وحدته ؛ إذ الوحدة لا تنافي التبعّض ، نظيره وحدة الماء الواقع في الحوض ، وتبعّضه بأبعاض متعدّدة ؛ إذ الاتّصال مساوق للوحدة برهانا ، ومع ذلك له أبعاض ربما يتلوّن بعضه باللون الأحمر ، وبعضه الآخر باللون الأصفر ، وهكذا سائر الأعراض ، فالأمر الغيري ينحلّ إلى أوامر ضمنيّة غيريّة ، وحينئذ تكون ذوات الأفعال في الطهارات الثلاث مأمورا بها بالأمر الضمني من ذلك الأمر الغيري ، وإذا أتى بكلّ جزء بداعي ذلك الأمر الضمني يتحقّق ما هو المقدّمة ـ أعني الأفعال الخارجيّة المتقرّب بها ـ وبذلك يسقط الأمر الضمني المتوجّه إلى القيد بعد فرض كونه توصّليا ؛ لحصول متعلّقه قهرا بامتثال الأمر الضمني
__________________
(١) نهاية الأفكار ١ : ٣٢٧ ـ ٣٢٩.