العلم الإجمالي بصدور كثيرها أو بعضها ، هل يترتب عليه ما يترتب على طريقيتها وحجيتها من كونها منزلة منزلة القطع ، وتقدمها على الأصول الجارية في مواردها ، عملية كانت أو لفظية ، كأصالة العموم والإطلاق ، أو ان وجوب العمل بها من باب الاحتياط لا يقتضي شيئا من ذلك؟ والكلام في ذلك يقع في مقامين.
أحدهما : في معارضة الأمارات مع الأصول العملية.
ثانيهما : في معارضتها مع الأصول اللفظية.
اما المقام الأول : فتفصيل الكلام فيه يكون ببيان الضابط في إجراء الأصول في أطراف العلم الإجمالي ، فنقول : ان الأصول العملية على ما يستفاد من أدلتها تنقسم إلى تنزيلية ناظرة إلى الواقع في مقام العمل ، كالاستصحاب وقاعدة التجاوز والفراغ ، بناء على انهما من الأصول ، وغير تنزيلية ، كالبراءة العقلية والشرعية وقاعدة الاشتغال ، فانها وظائف عملية مجعولة للشاك من دون أن يكون لها نظر إلى الواقع.
ثم ان بعض هذه الأصول يكون مثبتا للتكليف دائما ، كما ان بعضها يكون نافيا له كذلك ، وجملة منها تختلف باختلاف الموارد.
ثم ان العلم الإجمالي تارة : يكون متعلقا بحكم إلزاميّ ، وأخرى بحكم ترخيصي. فان كان متعلقه إلزاميا ، فلا تجري شيء من الأصول النافية في أطرافه ، سواء كانت محرزة في جميع الأطراف ، كما لو علمنا بوقوع نجاسة في أحد إناءين طاهرين ، فان جريان الاستصحاب فيهما معا يستلزم المخالفة القطعية ، وفي أحدهما دون الآخر ترجيح بلا مرجح ، أو كانت غير محرزة كذلك كالمثال بعينه فيما إذا لم يكن لهما حالة سابقة متيقنة ، فان كلا منهما حينئذ يكون موردا لقاعدة الطهارة ، إلّا انه يلزم من إجرائها فيهما المخالفة القطعية ، أو كان الجاري في بعض الأطراف محرزا وفي البعض الآخر غير محرز ، كما لو فرضنا ان أحد الإناءين كان طاهرا في السابق