الاستحباب لهما في مقام الثبوت ، لأنهما من قبيل الضدين اللذين لهما ثالث ، غاية الأمر ان المكلف لا يقدر على امتثالهما ، فهما من قبيل المستحبين المتزاحمين. واما إذا كان كل من الفعل والترك غير عبادي فلا يعقل الحكم باستحباب كل منهما في مقام الثبوت ، لاستحالة طلب المتناقضين ، ومحبوبية كل منهما بالفعل ، نعم يمكن أن يكون كل منهما مشتملا على الملاك ، إلّا انه مع التساوي يحكم بالإباحة ، ومع الترجيح يحكم على طبقه ، وكيف كان فلا يتصف النقيضان بالاستحباب ، وعليه فلا محالة يقع التعارض بين الدليلين ، ولا يكون شيء منهما مشمولا لأدلة التسامح لعدم الترجيح.
ومن ذلك يظهر الحال فيما لو دل دليل معتبر على استحباب شيء والآخر على استحباب تركه ، فانه لا مانع من الأخذ بكل منهما في الفرض الأول ، واما في الفرض الأخير فيجري عليهما حكم المتعارضين من الترجيح أو التخيير ، فافهم وتأمل.
الجهة السادسة : في ثمرة البحث عن دلالة هذه الاخبار على الاستحباب ، مع ان الثواب يترتب على العمل المأتي به برجاء المطلوبية لا محالة ، سواء قلنا باستحباب العمل شرعا أم لم نقل به. وبعبارة أخرى : لا فرق بين القول باستفادة الحكم المولوي من أخبار من بلغ والقول بكونها إرشادية في انه يترتب الثواب على الإتيان بالعمل الّذي بلغ عليه الثواب ، فلا فائدة في البحث عن ثبوت الحكم المولوي وعدمه.
وقد ذكر الشيخ رحمهالله في بيان الثمرة موردين (١).
الأول : جواز المسح ببلة المسترسل من اللحية لو دل على استحباب غسله في الوضوء خبر ضعيف ، بناء على ثبوت الاستحباب الشرعي ، وعدم جواز المسح به بناء على عدم ثبوته ، لعدم إحراز كونه من أجزاء الوضوء حينئذ.
__________________
(١) فرائد الأصول : ١ ـ ٤٢٣ (ط. جامعة المدرسين).