ولم يمكن الاحتياط ، فانه يتعين حينئذ الأخذ بالطرف المظنون ، لقبح ترجيح المرجوح. وأما إذا لم يكن أصل التكليف ثابتا فلا مانع من الرجوع إلى البراءة ، وليس ذلك من ترجيح المرجوح على الراجح كما هو ظاهر.
وبالجملة تمامية هذا الوجه متوقفة على امرين أحدهما : فرض تنجز التكليف ، وثانيهما : عدم التمكن من الاحتياط. فهذا الوجه من إحدى مقدمات دليل الانسداد.
الوجه الثالث : ان العلم الإجمالي بثبوت تكاليف إلزامية وجوبية أو تحريمية يقتضي وجوب الاحتياط في جميع موارد الشبهات ، لكنه غير واجب شرعا ، لأنه عسر ، والعسر منفي في الشريعة ، فلا بد من التبعيض في الاحتياط ، والأخذ بخصوص المظنونات ، لقبح ترجيح المرجوح على الراجح.
وفيه : ان هذا الوجه أيضا بعض مقدمات الانسداد ، ولا ينتج ما لم يضم إليه بقية المقدمات ، إذ لقائل أن يدعي انحلال هذا العلم الإجمالي بالظفر ، على ما بين في الروايات المعتبرة الواردة عن الأئمة عليهمالسلام من الأحكام ، فلا بد من التكلم بنحو الإجمال في الوجه الرابع ، وهو المسمى بدليل الانسداد والبحث فيه تارة : يقع فيما يتألف منه ، وأخرى : في النتيجة المترتبة عليه ، وثالثة : في تمامية المقدمات.
اما ما يتألف منه دليل الانسداد فهو أربعة أمور.
الأول : العلم الإجمالي بثبوت تكاليف فعلية. والمراد بثبوت التكاليف وفعليتها عدم كوننا مهملين كالبهائم ، وان الشارع يريد منا امتثال أحكامه بوجه لا محالة ، وعلى ذلك فالعلم بفعلية التكاليف ، والعلم بعدم كوننا مهملين مرجعهما إلى امر واحد ، ولا وجه لجعل كل منهما مقدمة مستقلة كما صنعه في الكفاية (١) اللهم إلّا أن يراد من المقدمة الأولى العلم بثبوت أصل الشريعة ، لا العلم بفعلية تلك التكاليف في
__________________
(١) كفاية الأصول : ٢ ـ ١١٤ ـ ١١٥.