ولكنك قد عرفت سابقا انه لا ملازمة بين الأمرين ، وان الميزان في تنجيز العلم الإجمالي هو سقوط الأصول في أطرافه ، فمتى تمكن المكلف من الموافقة القطعية وجبت ، لأن احتمال التكليف يستلزم تنجيز الواقع لو لم يكن مؤمنا من العقاب على المخالفة ، فعجز المكلف عن المخالفة القطعية المستلزم لعدم حرمتها لا يوجب عدم وجوب الموافقة القطعية المفروض قدرة المكلف عليها وعدم المؤمن من المخالفة الاحتمالية. نعم لو كان عدم حرمة المخالفة القطعية مستندا إلى قصور في ناحية التكليف لا إلى عجز المكلف عنها استلزم ذلك عدم وجوب الموافقة القطعية بالضرورة ، لكنه خروج عن الفرض ، إذ المفروض ان عدم حرمة المخالفة القطعية في الشبهة غير المحصورة مستند إلى عجز المكلف وعدم تمكنه منها.
فاتضح مما ذكرناه انه لا يفرق في تنجيز العلم الإجمالي بين كثرة الأطراف وقلتها ، فلا فرق بين كون الشبهة محصورة أو غير محصورة. نعم ربما تكون كثرة الأطراف ملازمة لطروء بعض العناوين المانعة عن تنجيز العلم الإجمالي ، كالعسر والحرج والخروج عن محل الابتلاء ونحو ذلك ، إلّا ان العبرة بتلك العناوين أنفسها لا بكثرة الأطراف.
إذا عرفت ذلك فقد استدل على عدم وجوب الاجتناب في الشبهة غير المحصورة بوجوه.
الأول : ما ذكره الشيخ رحمهالله من عدم اعتناء العقلاء باحتمال التكليف إذا كان موهوما (١). وقد ظهر جواب ذلك مما تقدم.
الثاني : ما ذكره الميرزا النائيني رحمهالله من ان وجوب الموافقة القطعية متفرع على حرمة المخالفة القطعية ، فإذا لم تحرم الثانية لم تجب الأولى (٢). وقد ظهر الجواب عنه بما
__________________
(١) فرائد الأصول : ٢ ـ ٤٣٣ (ط. جامعة المدرسين).
(٢) فوائد الأصول : ٤ ـ ١١٩.