والحاصل : ان الاختيار يكون مأخوذا في تكاليف المولى بنحو المعنى الحرفي أي طريقا إلى العمل الخارجي لا بنحو المعنى الاسمي والموضوعية ، وكم فرق بين القسمين. وبهذا يظهر ان صحة العقاب على تقدير المصادفة وعدمها على تقدير عدم المصادفة لا يوجب دخول الأمر الخارج عن الاختيار في حيز الطلب أصلا ، وعدم العقاب في فرض عدم المصادفة انما هو من جهة عدم تحقق المخالفة والعصيان وعدم الإتيان بما فيه المفسدة ولو كان عن غير اختيار. هذا كله في الوجه الأول.
واما الوجه الثاني فتارة يقال : انّ تعلق القطع بانطباق عنوان ذي مصلحة على شيء يوجب طروّ المصلحة في ذلك الشيء ، كما ان القطع بانطباق عنوان ذي مفسدة يوجب حدوث المفسدة فيه.
وفيه : ان المصالح والمفاسد من التأثير والتأثرات الواقعية والقطع بانطباق عنوان على شيء لا يوجب سلب آثاره التكوينية عنه ولا إيجاد أثر فيه ، مثلا إذا قطع الإنسان بأن هذا السم الخارجي ماء فشربه يترتب عليه الموت وهلاك النّفس ، ولا يتخلف عنه أثره بمجرد انكشاف مائيته ، وهكذا في العكس ، وهذا واضح وجدانا ، ثم لو سلمنا إمكان حدوث المصلحة أو المفسدة في الشيء عند القطع بطرو عنوان عليه في بعض الموارد بنحو الموجبة الجزئية فإثبات أن المورد الخاصّ من تلك الموارد محتاج إلى دليل.
وأخرى يقرب الاستدلال بنحو آخر ويقال : انّ التجري يكون كاشفا عن سوء سريرة العبد وانه في مقام الطغيان على المولى ، وهذا يوجب قبح الفعل المتجري به أو حدوث مفسدة فيه.
والجواب عن هذا أوضح من سابقه ، فان القبح الفاعلي لا يوجب القبح الفعلي ، ومجرد كون الفعل كاشفا عن سوء سريرة فاعله لا يكون من العناوين المقبحة للفعل. وبالجملة القبح الفاعلي في التجري مسلّم لكنه أجنبي عن القبح