القطع مع كونهما الأثر المصحح للتنزيل. وأما البراءة الشرعية فلأنها ترخيص شرعي بلحاظ عدم إحراز الواقع لا إحراز عدم الواقع كما هو واضح لمن راجع أدلتها. وأما الاحتياط الشرعي كما في الشبهات التحريمية على القول به ، أو في الموارد المهمة مثل باب الدماء والفروج فهو وإن كان منجزا وموجبا لاستحقاق العقاب ولكن العقاب في موارده ليس على مخالفة الواقع ، لأن قبح العقاب بلا بيان يكون من الأحكام العقلية الضرورية ، وقد عرفت أنه غير قابل للتخصيص ، وإنما العقاب يكون على مخالفة هذا التكليف أعني وجوب الاحتياط ، لكن حيث أنه ناشئ عن مصلحة الواقع لا محالة يكون ترتب العقاب على مخالفته في فرض مصادفة الواقع ، وإلّا فيكون تجريا محضا. وبالجملة فالاحتياط الشرعي إنما هو حكم إلزامي مولوي كما يظهر من أدلته ، ونفس مخالفته يوجب العقاب ، وهذا أجنبي عن تنزيل شيء منزلة القطع.
وتلخص من جميع ما تقدم أن الأمارات تقوم مقام القطع الطريقي مطلقا ، سواء كان مأخوذا في الموضوع أم لم يكن بنفس دليل حجيتها ، والأصول المحرزة تقوم مقامه كذلك لكن بما أنه موجب للاعتقاد والبناء العملي ، وأما الأصول غير المحرزة فلا تقوم مقام القطع أصلا.
هذا تمام الكلام في أقسام القطع.
ثم أن للمحقق الخراسانيّ في حاشيته كلاما في قيام الطرق والأمارات مقام القطع الموضوعي بقسميه على القول بجعل المؤدى (١) ، فهل يمكن المساعدة عليه بعد الإغماض عن فساد المبنى أم لا؟ حاصل ما أفاده : هو أن أدلة الأمارات متكفلة لتنزيل المؤدى منزلة الواقع فقط ، فلا يلزم هناك إلّا لحاظ واحد آلي ، غايته تلك
__________________
(١) درر الفوائد (حاشية على الفرائد) : ٢٩ ـ ٣١.