اعلم : أن المقلد يجتهد على وجه ، ومعنى ذلك أنه لا يقلد إلا من أداه اجتهاده إلى تصويبه في أقواله ، وترجيحه على غيره ، وحصول العلم أو غلبة الظن على صحة ما جاء به ، ومن كان عنده بهذه المنزلة لم يجز له أن يرجع إلى رأي غيره إلا أن يصح له على سبيل الجملة باجتهاد آخر أن غيره أولى منه باتباعه ، فيكون قد انتقض اجتهاده الأول.
فأما في الأقوال التي أثبتنا صحتها على الأدلة الحقيقية ، دون الأمارات الشرعية ، من المسائل الشرعية ، فإنه إذا صح له الدليل في المسألة عمل به دون قول من يقلده ، ولا ضير عليه في ذلك.
فأما فيما يتعلق بالأمارات والعلل المستنبطات وما جانس ذلك ، فلا يجوز له العدول ، فلا يصح قوله ترجح عندي ، إذ علة الترجيح معدومة له ، فإن سبق إلى فهمه أمر ، اتهم نفسه ورجع إلى قول إمامه ؛ لأن المجتهد أصح نظرا ممن لم يبلغ درجة الاجتهاد ؛ لأنه متمكن وهذا غير متمكن ، فإن قال : تمكنت في هذه المسألة يقال له : في ما ذا ، والحكم في هذه المسألة وغيرها على سواء ، وإن تبين له وجه فمن الجائز أن يكون عند إمامه ما هو أقوى ، ولكنه جرد قوله في هذه المسألة أو عللها ببعض ما يعلم ، ووجوه الإجماعات كثيرة.
فهذا ما وقع التمكن منه على وجه العجل والحمد لله أولا وآخرا والسلام.
وصلى الله على رسوله سيدنا محمد النبي وآله وسلامه.
* * *