الكلام في ذلك : ما تقدم من أن الوقف الذي لا قربة فيه لا أصل له في الشرع وما لا أصل له لا يصح إثباته (١) ، وظاهر الحال أنه عليهالسلام جعل الثلث تتعلق به القربة قياسا على الوصية بثلث المال إذا أخرج ثلث المال سبيلا ، والأصل المتقدم غير منقوض ولا مكسور ، وعندنا أن ذلك لا قربة فيه لأن الإناث أضعف وأحوج ؛ ولأن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم منع بشير بن سعد من نحله ولده النعمان بقوله : «أكل ولدك نحلته؟ قال : لا. قال : فأشهد عليه غيري فإني لا أشهد إلا على حق» فجعل هذا القول أبو حنيفة أصلا لجوازه ، وقال : لو لا أنه يجوز لما قال أشهد عليه غيري.
قال آباؤنا عليهمالسلام : ذلك دليل على أنه لا يجوز بقوله : «إني لا أشهد إلا على حق» ولا غير الحق إلا الباطل ، وعندنا أن الوقف إذا بني على هذه الصورة بطل ولم يكن له حظ في الصحة سواء أجازه الورثة أو لم يجيزوه إلا أن يستأنف العقد على الصحة لأن الوقف لله تعالى وهو من الدين ، والله تعالى يقول : (وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) [البينة : ٥] ، ويقول تعالى : (أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخالِصُ) [الزمر : ٣] ، ولا يكون خالصا ما لم تحرر فيه النية لله سبحانه ، وإذا انبنى على الفساد كان فاسدا وهو بخلاف البيع والشراء ، والهبة والهدية ، فذلك بابه الإباحة والصدقة ظاهر الأمر فيها أنها لله تعالى وإن كان غير ناو فظاهر الأمر النية وحكم عليه بالظاهر.
قال أيده الله تعالى : قال السيد أبو طالب هذه رواية المنتخب ، والمنصوص عليه في الأحكام يقتضي صحة الوقف على الذين وقفه عليهم ، وفي المنتخب في رجل يقف ماله على خلاف ما يقتضيه الميراث نحو أن يقفه كله على بناته دون عصبته صح الوقف وقسم بين الورثة على حكم الله تعالى.
قال السيد أبو طالب والمنصوص عليه في الأحكام خلافه ، وكذلك ما نظر
__________________
(١) في الأصل بدون نقاط وقد يكون : إتيانه.