وأما أن للإنسان في حال صحته في ماله ما شاء فذلك صحيح لا مانع منه إلا ما منع منه الشرع ، وقد منع الشرع من إتلاف المال على بعض الوجوه ، وله أن ينفق ماله في المباح وإن أتى على جملته ما لم يكن سرفا وتبذيرا فتأمل هذه الجملة لترد إليها ما بعدها ؛ وقد ورد النهي على أبلغ الوجوه عن ذلك وما أشبهه ، والله جعل الثلث للعباد في آخر أعمالهم يختمون به أعمالهم في طاعة ، لا يصرفونه في معصية الله ، وهكذا من جعل جميع ماله لله أو في سبيل الله فإن تصدق به على إنسان معين صح ذلك لأن أكثر ما فيه أن لا تكون فيه قربة فتكون من طريق المباح ، ولا خلاف أنه لو أنفذ ماله في أكل الحلال وشرب الحلال لم يكن لأحد منعه من ذلك ، وإن تعدى في بعضه إلى المكروه.
وأما المتخلون من الدنيا وإخراج أموالهم من أيديهم فذلك طاعة لله تعالى إذا لم يكن لهم أولاد ولا أقارب يلزمهم القيام بأمرهم ، وقد ورد في ذلك ما لا يغبى على أهل المعرفة أمره من الحث والتحريض من الله تعالى ومن رسوله في أمر الوالدين والأقربين ، ووردت في ذلك آثار كثيرة ، وقد ذكرنا أن النهي يقتضي فساد المنهي عنه ، واستدللنا على ذلك بما هو موجود في كتبنا في الأصول ، ولا حجة للمسلمين على بطلان ما يطوي من كثير من الأحكام إلا ورود النهي عنه ؛ وهذه المسائل كلها بأنواعها خارجة عن الوقف لأن الكلام في الوقف ينبني على أمور.
أحدها : معرفة الوقف في نفسه وما حقيقته.
والثاني : الدليل على جوازه.
والثالث : الكلام في أنواعه.