شاور الرجال في أمورها ، شاركها في عقولها» (١).
وثانيا ـ إنّ المتبادر من الآية هو أنّ التشاور لا يوجب حكما للحاكم ، ولا يلزمه بشيء ، بل هو يقلب وجوه الرأي ويستعرض الأفكار المختلفة ، ثم يأخذ بما هو المفيد في نظره ، وذلك لقوله سبحانه في نفس الآية : (فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ) ، المعرب عن أنّ العزم والتصميم والاستنتاج من الآراء والأخذ بما هو الأصلح راجع إلى نفس المشير ، وهذا يتحقق في ظرف يكون هناك مسئول تام الاختيار في استحصال الأفكار والعمل بالنافع منها ، حتى يخاطب بقوله : (فَإِذا عَزَمْتَ) ، وأمّا إذا لم يكن ثمة رئيس ، فلا تنطبق عليه الآية ، إذ ليس في انتخاب الخليفة بين المشيرين من يقوم بدعوة الأفراد للمشورة ، لغاية استعراض آرائهم ، ثم تمحيص أفكارهم ، والأخذ بالنافع منها ، ثم العزم القاطع عليه.
وكل ذلك يعرب عن أنّ الآية ترجع إلى غير مسألة الحكومة وما شابهها. ولأجل ذلك لم نر أحدا من الحاضرين في السقيفة احتجّ بهذه الآية.
الآية الثانية : قوله سبحانه : (وَالَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ) (٢).
ببيان أنّ المصدر (أمر) أضيف إلى الضمير (هم) ، وهو يفيد العموم والشمول لكل أمر ، ومنه الخلافة ، فيعود معنى الآية أنّ شأن المؤمنين في كل مورد ، شورى بينهم.
يلاحظ عليه : إنّ الآية تأمر بالمشورة في الأمور المضافة إلى المؤمنين ، وأمّا أنّ تعيين الخليفة من الأمور المضافة إليهم ، فهو أول الكلام ، والتمسك بالآية في هذا المجال ، تمسّك بالحكم في إثبات موضوعه.
وبعبارة أخرى : إنّ الآية حثّت على الشورى فيما يمتّ إلى شئون المؤمنين بصلة ، لا فيما هو خارج عن حوزة أمورهم ، أمّا كون تعيين الإمام داخلا في
__________________
(١) نهج البلاغة ، قسم الحكم ، الرقم ١٦١.
(٢) سورة الشورى : الآية ٣٨.