وما ذكرناه غيض من فيض ممّا جرى بين الصحابة من المنازعات والخلافات الناشئة من روح القبلية ، والتعصّب العشائري.
أفهل يجوز في منطق العقل ترك هذا المجتمع ، الغارق في نزاعاته العصبية ، دون نصب قائد ، يكون نصبه قاطعا لدابر الاختلاف ، ومانعا من مأساة التمزّق والتفرق؟ فاقض ما أنت قاض.
وهاهنا محاسبة ثالثة لا تقلّ عن العاملين السابقين في استلزامها كون المصلحة تقتضي نصب القائد ، لا تفويض الأمر إلى المسلمين أنفسهم ، وهي ما يلي :
الثالث ـ الصحابة ومدى الوعي الديني
إنّ الأمّة الإسلامية ـ كما يدلّ عليه التاريخ ـ لم تبلغ في القدرة على تدبير أمورها. وإدارة شئونها حدّ الاكتفاء الذاتي الذي لا تحتاج معه إلى نصب قائد لها من جانب الله سبحانه. وقد كان عدم بلوغهم هذا الحدّ أمرا طبيعيا لأنّه من غير الممكن تربية أمّة كانت متوغلة في العادات الوحشية ، والعلاقات الجاهلية ، والنهوض بها إلى حدّ تصير أمّة كاملة تدفع عن نفسها تلك الرواسب ، وتستغني عن نصب القائد المحنّك ، والرئيس المدبّر ، بل هي تقدر على تشخيص مصالحها في هذا المجال.
إنّ إعداد مثل هذه الجماعة ، ومثل هذه الأمّة ، لا تتم في العادة إلّا بعد انقضاء جيل أو جيلين ، وبعد مرور زمن طويل يكفي لتغلغل التربية الإسلامية إلى أعماق تلك الأمّة ، بحيث تختلط مفاهيم الدين بدمها وعروقها ، وتتمكن منها العقيدة إلى درجة تحفظها من التذبذب والتراجع إلى الوراء.
ويكفيك شاهدا على هذا ، معركة أحد ، فقد هرب المسلمون ـ إلّا قليل ـ من ساحة المعركة عند ما أذيع نبأ قتل النبي من جانب الأعداء ، ولاذ بعضهم بالجبل ، بل فكّر بعضهم بالتفاوض مع المشركين ، حتى أتاهم أحد المقاتلين ووبّخهم على فرارهم وتخاذلهم وترددهم قائلا : «إن كان محمد قد مات ، فربّ