استعدادا وأولى بقبول الفيض الجديد من الحيوان والإنسان ، كما أنّ الإنسان يستدعي نفسا أشرف ، وهي التي جاوزت الدرجات النباتية والحيوانية.
وفي ضوء هذا ، فالحياة تفاض على النبات أولا ، ثم تنتقل منه إلى الحيوان ، ثم إلى الإنسان ، وهذا النوع من التناسخ أشبه بالقول بالحركة الجوهرية ، وأنّ الأشياء في ظلّها تخرج من القوة إلى الفعل ، ومن النقص إلى الكمال ، وأنّ الموجود النباتي يتحول إلى الحيوان ، ثم الإنسان ، لكن الفرق بين القول بالتناسخ الصعودي والحركة الجوهرية ، هو أنّ التكامل في القول بالتناسخ على وجه الانفصال دون الاتصال ، فالنفس النباتية تنتقل من النبات إلى البدن الحيواني ، ثم منه إلى البدن الإنساني ، ولكن التحول في الحركة الجوهرية ، على وجه الاتصال ، وأنّ النطفة الإنسانية تتحول وتتكامل من مرتبة ناقصة إلى مرتبة كاملة حتى يصدق عليها قوله سبحانه : (ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ ، فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ) (١).
فظهر أنّ في التناسخ أقوالا ثلاثة :
١ ـ التناسخ المطلق : وهو ما لا ينتهي النقل فيه ولا يتوقف ويعم الجميع.
٢ ـ التناسخ النزولي : وهو ما لا يعم الجميع أولا ، ويتوقف النقل فيه بعد التصفية وبلوغ مراتب الكمال ، ثانيا.
٣ ـ التناسخ الصعودي : وهو ما يحصل فيه انتقال النفس في جهة الصعود ، من النبات إلى الحيوان فالإنسان. إذا تعرفت على المراد من هذه الأقسام ، فإليك تحليلها ، وبيان بطلانها :
العناية الإلهية والتناسخ المطلق
إنّ التناسخ المطلق يعاند المعاد معاندة تامة ، والقائل به ليس له التفوه بعود
__________________
(١) سورة المؤمنون : الآية ١٤. وما ذكرناه إجمال ما يرمي إليه أصحاب هذا القول ، والتفصيل يطلب من محله ، لاحظ في ذلك «أسرار الحكم» ، للحكيم السبزواري ، ص ٢٩٣ ـ ٢٩٤.