من الممكن بعد وفاة النبي مراجعة كل الأفكار واستعلام جميع الآراء في الوطن الإسلامي ، لقلّة وسائل المواصلات ، وفقدان سبل الاتصال المتعارفة اليوم. ولذلك يقول الشيخ عبد الكريم الخطيب : إنّ الذين بايعوا أوّل خليفة للمسلمين لم يتجاوزوا أهل المدينة ، وربما كان بعض أهل مكة ، وأمّا المسلمون ـ جميعا ـ في الجزيرة العربية ، فلم يشاركوا هذه البيعة ، ولم يشهدوها ، ولم يروا رأيهم ، وإنّما ورد عليهم الخبر بموت النبي مع الخبر باستخلاف أبي بكر(١).
ثم إنّ من مظاهر الاختلاف الواقع في مسألة الشورى ، أنّ القائلين بها اختلفوا على قولين : فمنهم من قال بأنّ انتخاب أهل الشورى ملزم للأمّة ، وهو خبرة الأكثرية ، ومنهم من قال إنّه لا يزيد عن ترشيح له لمنصب الأمّة ، وللأمّة اختياره أو رفضه (٢).
وعلى كل تقدير ، فما دليل هذه النظرية ، أي كون الشورى أساس الحكم ، سواء في الفترة التي تلت رحلة النبي أو في زماننا الحاضر.
استدلوا بآيتين :
الآية الأولى : قوله سبحانه : (وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ، فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ)(٣)فالله سبحانه يأمر نبيّه بالمشاورة ، تعليما للأمّة ، حتى يتشاوروا في مهام الأمور ، ومنها الخلافة.
يلاحظ عليه : أوّلا ـ إنّ الخطاب في الآية متوجّه إلى الحاكم الذي استقرّت حكومته ، فيأمره سبحانه أن ينتفع من آراء رعيّته ، فأقصى ما يمكن التجاوز به عن الآية ، هو أنّ من وظائف كلّ الحكام التشاور مع الأمّة ، وأمّا أنّ الخلافة بنفس الشورى ، فلا يمكن الاستدلال عليه بهذه الآية.
والآية نظير قول علي عليهالسلام : «من استبدّ برأيه هلك ، ومن
__________________
(١) الإمامة والخلافة ، ص ٢٤١.
(٢) الشخصية الدولية ، لمحمد كامل ياقوت ، ص ٤٦٣.
(٣) سورة آل عمران : الآية ١٥٩.