فيذكر في الآيتين الأوليين شبهتهم ـ التي سيأتي بيانها ـ إلّا أنّه سرعان ما بيّن في الآية الثالثة أنّ هذه الشبهة واجهة وغطاء لها ، وأنّ الباعث الواقعي هو تكذيبهم بالحق من أول الأمر ، ولأجل ذلك هم في أمر مريج مضطرب.
* * *
هذه هي البواعث التي كانت تدفع إلى إنكار المعاد ، ونحت الأعذار والشبهات في هذا المجال. وإليك فيما يلي بيان شبهاتهم أوّلا ، وأجوبتها ثانيا ..
* * *
شبهات المنكرين للمعاد
الشبهات التي ينقلها الذكر الحكيم عنهم تبلغ عشر شبهات ، غير أنّ كثيرا منها ضئيل ، ليس له دليل سوى البواعث التي قدّمناها ، ومع ذلك لم يتركها القرآن بلا جواب ، إمّا مقارن لذكرها أو في مواضع أخرى ، وفيما يلي نذكر رءوس الشبهات الواهية ، ثم نتبعها بذكر الشبهات القابلة للبحث ، فنطرحها ونناقشها.
١ ـ لا دليل على المعاد
يقول سبحانه : (وَإِذا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لا رَيْبَ فِيها قُلْتُمْ ما نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَما نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ) (١).
وقائل الشبهة يتظاهر بأنّه لا دليل على النّشأة الأخرى وإحياء الموتى فيها ، ولو كان لاتّبعه. ولم يتركه القرآن بلا جواب ، فقد أقام براهين دامغة على إمكانه وضرورته كما سيوافيك.
ولأجل كون المعاد مقرونا بالبراهين ، يتعجّب القرآن من إنكارهم ويقول : (وَإِنْ تَعْجَبْ ، فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَإِذا كُنَّا تُراباً أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ) (٢).
__________________
(١) سورة الجاثية : الآية ٣٢.
(٢) سورة الرعد : الآية ٥.