مباحث المعاد
(١) «المعاد» في الملل والشرائع السابقة
الاعتقاد بالمعاد عنصر أساسي في كل شريعة لها صلة بالسماء ، ويحتل في الأصالة والتأثير محلّ العمود الفقري في بدن الإنسان ، وبدونه تصبح الشرائع مسالك بشرية مادية ، لا تمت إلى الله سبحانه بصلة. فقوام الشريعة بالمبدإ والمعاد ، ولأجل ذلك لا ترى شريعة تتسم بأنّها شريعة إلهية ولو بعد تحريفها ، خالية عن الدعوة إلى الحياة الأخروية وحشر الإنسان بعد الموت ، وإقامة الحساب والجزاء والثواب والعقاب. وسيوافيك نصوص العهدين في هذا المجال.
إنّ المحققين في التاريخ البشري يصرحون بأنّ المجتمع الإنساني لم يزل معتنقا لهذا الأصل ، وإن لم يعلم دينه ولا كتابه. وإليك التوضيح بوجوه :
١ ـ إنّ البدو القاطنين في الصحاري والبراري ، الذي يعدّون نموذجا للمجتمع البدائي المنقرض ، لهم طقوس خاصة في دفن الموتى تدلّ على اعتقادهم بعودة الأرواح إلى الأجسام المدفونة ، ومن ذلك أنّهم يضعون حجارة كبيرة على صدور موتاهم ، ويربطون أعضاءهم بحبال متينة ، لئلا يتحركوا بعد عود الروح ويخرجوا من أماكنهم (١).
٢ ـ إنّ المصريين ، ذوو الحضارة القديمة ، كانوا يعتقدون أنّ الروح بعد
__________________
(١) جامع الأديان ، تأليف جان ناس ، ترجمة علي أصغر حكمت ، ص ١٧.